تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ 5 } { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

[ أي : ] { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } موبخا لهم على صنيعهم ، ومقرعا لهم على أذيته ، وهم يعلمون أنه رسول الله : { لِمَ تُؤْذُونَنِي } بالأقوال والأفعال ، { وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } .

والرسول من حقه الإكرام والإعظام ، والانقياد{[1071]}  بأوامره ، والابتدار لحكمه .

وأما أذية الرسول الذي إحسانه إلى الخلق فوق كل إحسان بعد إحسان الله ، ففي غاية الوقاحة والجراءة والزيغ عن الصراط المستقيم ، الذي قد علموه وتركوه ، ولهذا قال : { فَلَمَّا زَاغُوا } أي : انصرفوا عن الحق بقصدهم { أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها ، ولم يوفقهم الله للهدى ، لأنهم لا يليق بهم الخير ، ولا يصلحون إلا للشر ، { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } أي : الذين لم يزل الفسق وصفا لهم{[1072]} ، لا  لهم قصد في الهدى ، وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده ، ليس ظلما منه ، ولا حجة لهم عليه ، وإنما ذلك بسبب منهم ، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه ، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال{[1073]}  والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه وتقليب القلوب [ عقوبة لهم وعدلا منه بهم ] كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } .


[1071]:- في ب: والقيام.
[1072]:- في ب: ليس.
[1073]:- كذا في ب، وفي أ: بالضلال.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ يَقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تّعْلَمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمّا زَاغُوَاْ أَزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد إذْ قالَ مُوسَى بن عمران لِقَوْمِهِ يا قَوْم لِمَ تُوءْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ حقا أنُى رَسُولُ اللّهُ إلَيْكُمْ .

وقوله : { فَلَمّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ } يقول : فلما عدلوا وجاروا عن قصد السبيل أزاغ الله قلوبهم : يقول : أمال الله قلوبهم عنه وقد :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام ، قال : حدثنا أبو غالب ، عن أبي أمامة في قوله : { فَلَمّا زَاغُوا أزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ } قال : هم الخوارج .

{ وَاللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ }يقول : والله لا يوفّق لإصابة الحقّ القوم الذين اختاروا الكفر على الإيمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وإذ قال موسى لقومه }مقدرا بأذكر أو كان كذا { يا قوم لم تؤذونني } بالعصيان والرمي بالادرة ، { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } بما جئتكم من المعجزات ، والجملة حال مقررة للإنكار فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه ويمنع إيذاءه وقد لتحقيق العلم ، { فلما زاغوا }عن الحق{ أزاغ الله قلوبهم }صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب ، { والله لا يهدي الفاسقين }هداية موصلة إلى معرفة الحق أو إلى الجنة .