{ لَتَرْكَبُنَّ } [ أي : ] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي : أطوارا متعددة وأحوالا متباينة ، من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى نفخ الروح ، ثم يكون وليدًا وطفلًا ، ثم مميزًا ، ثم يجري عليه قلم التكليف ، والأمر والنهي ، ثم يموت بعد ذلك ، ثم يبعث ويجازى بأعماله ، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد ، دالة على أن الله وحده هو المعبود ، الموحد ، المدبر لعباده بحكمته ورحمته ، وأن العبد فقير عاجز ، تحت تدبير العزيز الرحيم ،
وقوله : لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه ، وابن عباس وعامة قرّاء مكة والكوفة : «لَترْكَبَنّ » بفتح التاء والباء . واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : لتركَبنّ يا محمد أنت حالاً بعد حال ، وأمرا بعد أمر من الشدائد . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، أن ابن عباس كان يقرأ : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالاً بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل حدّثه ، عن ابن عباس في «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : منزلاً بعد منزل .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » يقول : حالاً بعد حال .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » يعني : منزلاً بعد منزل ، ويقال : أمرا بعد أمر ، وحالاً بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سمعت مجاهدا ، عن ابن عباس «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرِمة في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : حالاً بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هَوْذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : حالاً بعد حال .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن عن قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : منزلاً عن منزل ، وحالاً عن حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شريك ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت مرّة عن قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : حالاً بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : حالاً بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : حالاً عن حال .
قال : ثنا وكيع ، عن نصر ، عن عكرِمة ، قال : حالاً بعد حال .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : لتركبَنّ الأمور حالاً بعد حال .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » يقول : حالاً بعد حال ، ومنزلاً عن منزل .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «لتَرْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » منزلاً بعد منزل ، وحالاً بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : أمرا بعد أمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : أمرا بعد أمر .
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة ، وقرأ هذه القراءة عُنِي بذلك : لتركبنّ أنت يا محمد سماء بعد سماء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن وأبو العالية «لَترْكَبَنّ » يعني محمدا صلى الله عليه وسلم طَبَقا عنْ طَبَقٍ السموات .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي الضحى ، عن مسروق «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : أنت يا محمد سماء عن سماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن الشعبيّ ، قال : سماء بعد سماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : سماء فوق سماء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لتركَبُنّ الاَخرة بعد الأولى . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : الاَخرة بعد الأولى .
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة : إنما عُنِي بذلك أنها تتغير ضروبا من التغيير ، وتُشَقّقُ بالغمام مرّة ، وتحمرّ أخرى ، فتصير وَرْدة كالدهان ، وتكون أخرى كالمهل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن مرّة ، عن ابن مسعود «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : السماء مرّة كالدّهان ، ومرّة تَشَقّق .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : سمعت أبا الزرقاء الهَمْداني ، وليس بأبي الزرقاء الذي يحدّث في المسح على الجوربين ، قال : سمعت مُرّة الهمداني ، قال : سمعت عبد الله يقول في هذه الاَية : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : السماء .
حدثني عليّ بن سعيد الكندىّ ، قال : حدثنا عليّ بن غراب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقّق .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، في قوله : «لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : هي السماء تَشَقّق ، ثم تحمرّ ، ثم تنفطر قال : وقال ابن عباس : حالاً بعد حال .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قرأ عبد الله هذا الحرف : «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : السماء حالاً بعد حال ، ومنزلة بعد منزلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله «لَترْكَبَنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ » قال : هي السماء .
حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي فروة ، عن مرّة ، عن ابن مسعود أنه قرأها نصبا ، قال : هي السماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : هي السماء تغير لونا بعد لون .
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين : لَترْكَبُنّ بالتاء ، وبضمّ الياء ، على وجه الخطاب للناس كافة ، أنهم يركبون أحوال الشدة حالاً بعد حال . وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء ، وبضم الباء ، على وجه الخبر عن الناس كافة ، أنهم يفعلون ذلك .
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب : قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء ، لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الأُخَر وجوه مفهومة . وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا ، فالصواب من التأويل قول من قال : «لَترْكَبَنّ » أنت يا محمد حالاً بعد حال ، وأمرا بعد أمر من الشدائد . والمراد بذلك ، وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها ، جميع الناس ، أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالاً .
وإنما قلنا : عُنِي بذلك ما ذكرنا ، أن الكلام قبل قوله : لَترْكَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ جرى بخطاب الجميع ، وكذلك بعده ، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده .
وقوله : طَبَقا عَنْ طَبَقٍ من قول العرب : وقع فُلان في بنات طَبَق : إذا وقع في أمر شديد .
لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة وهو لما طابق غيره فقيل للحال المطابقة أو مراتب من الشدة بعد المراتب هي الموت ومواطن القيامة وأهوالها أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لتركبن بالفتح على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ أو الرسول صلى الله عليه وسلم على معنى لتركبن حالا شريفة ومرتبة عالية بعد حال ومرتبة أو طبقا من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج وبالكسر على خطاب النفس وبالياء على الغيبة و عن طبق صفة ل طبقا أو حال من الضمير بمعنى مجاوز ال طبق أو مجاوزين له .