{ 11 - 26 } { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم } إلى آخر الآيات
وهو قوله : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لما ذكر فيما تقدم ، تعظيم الرمي بالزنا عموما ، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة ، التي وقعت على أشرف النساء ، أم المؤمنين رضي الله عنها ، وهذه الآيات ، نزلت في قصة الإفك المشهورة ، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد .
وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم ، في بعض غزواته ، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق ، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها ، فلم يفقدوها ، ثم استقل الجيش راحلا ، وجاءت مكانهم ، وعلمت أنهم إذا فقدوها ، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه ، قد عرس في أخريات القوم ونام ، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها ، فأناخ راحلته ، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه ، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة ، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال ، أشاع ما أشاع ، ووشى الحديث ، وتلقفته الألسن ، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين ، وصاروا يتناقلون هذا الكلام ، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة ، فحزنت حزنا شديدا ، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات ، ووعظ الله المؤمنين ، وأعظم ذلك ، ووصاهم بالوصايا النافعة . فقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } أي : الكذب الشنيع ، وهو رمي أم المؤمنين { عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } أي : جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين ، منهم المؤمن الصادق [ في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين ]{[559]} ومنهم المنافق .
{ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها ، والتنويه بذكرها ، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد ، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة ، فكل هذا خير عظيم ، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك ، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا ، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم ، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم ، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، واجتماعهم على مصالحهم ، كالجسد الواحد ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه ، فليكره من كل أحد ، أن يقدح في أخيه المؤمن ، الذي بمنزلة نفسه ، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة ، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه .
{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ } وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك ، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك ، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة ، { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ } أي : معظم الإفك ، وهو المنافق الخبيث ، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله- { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار .
وبعد أن بين - سبحانه - حكم القذف بالنسبة للمحصنات . وبالنسبة للزوجات ، أتبع - عز وجل - ذلك بإيراد مثل لما قاله المنافقون فى شأن السيدة عائشة - رضى الله عنها - . ولما كان يجب على المؤمنين أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين . . . } .
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : " هذه الآيات نزلت فى شأن السيدة عائشة - رضى الله عنها - حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين ، بما قالوه من الكذب البحت ، والفرية التى غار الله - تعالى - لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم .
جاء فى الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج سهمى - وكان ذلك فى غزوة بنى المصطلق على الأرجح - ، فخرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعدما أُنزل الحجاب ، وأنا أُحمل فى هودج وأنزل فيه .
فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، حتى جاوزت الجيش .
فلما قضيت من شأنى أقبلت إلى الراحلة ، فلمست صدرى ، فإذا عقد لى قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدى فاحتبسنى ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى ، فاحتملوا هودجى ، فرحلوه على بعيرى . وهم يحسبون أنى فيه . وكان النساء إذ ذاك خفافا ، لم يثقلهن اللحم ، فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج ، فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدى بعد ما سار الجيش . فجئت منزلهم ، وليس فيه أحد منهم فيممت منزلى الذى كنت فيه . وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون إلى .
فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ، قد عرَّس - أى تأخر - من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلى فرأى سواد إنسان نائم ، فأتانى فعرفنى حين رآنى . وقد كان يرانى قبل أن يُضْرَب علينا الحجاب .
فاستيقظت باسترجاعه حتى عرفنى . فخمرت وجهى بجلبابى ، والله ما كلمنى كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حين أناخ راحلته ، فوطىء على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بى الراحلة . حتى أتينا الجيش ، بعدما نزلوا فى نحو الظهيرة . فهلك من هلك فى شأنى ، وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول . . . " .
وقد افتتحت هذه الآيات الكريمة بقوله - تعالى - : { إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } .
والإفك : أشنع الكذب وأفحشه ، يقال أفِكَ فلان - كضرب وعلم - أَفْكاً ، أى : كذب كذبا قبيحا .
والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، من العصب وهو الشد ، لأن كل وأحد منها يشد الآخر ويؤازره .
أى : إن الذين قالوا ما قالوا من كذب قبيح ، وبهتان شنيع ، على السيدة عائشة - رضى الله عنها - هم جماعة ينتسبون إليكم - أيها المسلمون - بعضهم قد استزلهم الشيطان .
- كمسطح بن أثاثة - وبعضهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والنفاق - كعبد الله بن أبى بن سلول - وأتباعه .
وفى التعبير بقوله - تعالى - { عُصْبَةٌ } : إشعار بأنهم جماعة لها أهدافها الخبيثة ، التى تواطئوا عل نشرها ، وتكاتفوا على إشاعتها ، بمكر وسوء نية .
وقوله - سبحانه - : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ . . } تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين الصادقين ، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث البالغ نهاية دركات الكذب والقبح .
أى : لا تظنوا - أيها المؤمنون - أن حديث الإفك هذا هو شر لكم ، بل هو خير لكم ، لأنه كشف عن قوى الإيمان من ضعيفة . كما فضح حقيقة المنافقين وأظهر ما يضمرونه من سوء للنبى صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته ، وللمؤمنين ، كما أنكم قد نلتم بصبركم عليه وتكذيبكم له أرفع الدرجات عند الله تعالى .
ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء الخائضين فى حديث الإفك من عقاب فقال : { لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم } .
أى لكل واحد من هؤلاء الذين اشتركوا فى إشاعة حديث الإفك العقاب الذى يستحقه بسبب ما وقع فيه من آثام ، وما اقترفه من سيئات .
وقوله - تعالى - : { والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } بيان لسوء عاقبة من تولى معظم إشاعة هذا الحديث الكاذب .
والكبر - بكسر الكاف وضمها - مصدر لمعظم الشىء وأكثره .
أى : والذى تولى معظم الخوض فى هذا الحديث الكاذب ، وحرض على إشاعته ، له عذاب عظيم لا يقادر قدره من الله - تعالى - .
والمقصود بهذا الذى تولى كبره . عبد الله بن أبى بن سلول ، رأس المنافقين وزعيمهم ، فهو الذى قاد حملته ، واضطلع بالنصيب الأكبر لإشاعته .
روى أنه لما جاء صفوان بن المعطل يقود راحلته وعليها عائشة - رضى الله عنها - قال عبد الله بن أبى لمن حوله : من هذه ؟ قالوا عائشة فقال - لعنه الله - : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها ، والله ما نجت منه وما نجا منها .
وقال ابن جرير : " والأولى بالصواب قول من قال ، الذى تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير ، وأن الذى بدأ بذكر الإفك . وكان يجمع أهله ويحدثهم به ، هو عبد الله بن ابى بن سلول " .
وقال الآلوسى : " والذى تولى كبره . . . كما فى صحيح البخارى عن الزهرى عن عروة عن عائشة : هو عبد الله بن أبى - عليه اللعنة - وقد سار على ذلك أكثر المحدثين .
أخرج الطبرانى وابن مردويه عن ابن عمر ، أنه بعد نزول هذه الآيات فى براءة السيدة عائشة دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح فجمع الناس ، ثم تلاها عليهم .
ثم بعث إلى عبد الله بن أبى . فجىء به فضربه حدين ، ثم بعث إلى حسان بن ثابت ، ومسطح . وحمنة بنت جحش فضربوا ضربا وجيعا . . . وقيل إن ابن أبى لم يحد أصلا ، لأنه لم يقر ، ولم يلتزم إقامة البينة عليه تأخيرا لجزائه إلى يوم القيامة " .
هذه الآية وما بعدها إلى ست عشرة آية أنزلت في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وما اتصل بذلك من أمر «الإفك » وفي البخاري في غزوة بني المصطلق عن عائشة قالت وأنزل الله العشر الآيات ثم أنزل الله ما قرىء في براءتي فكأنها عدت ما تختص بها . و «الإفك » : الزور والكذب ، والأفاك : الكذاب ، و «الإفك » : قلب الحقيقة عن حالها بالأقوال وصرفها عن جهة الصواب وبذلك شبه الكذب . واختصار ، حديث «الإفك » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعائشة في غزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع{[8620]} قال ابن إسحاق كانت سنة ست ، وقال ابن عقبة كانت سنة أَربع{[8621]} فضاع لها هناك عقد ، فلما انصرفت إلى الرحل شعرت بضياعه وجعلت تطلبه ، وسار الناس يومئذ فوجدته وانصرفت فلم تجد أحداً وكانت شابة قليلة اللحم رفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها منه فلما لم تجد أحداً اضطجعت في مكانها رجاء أَن تفتقد فيرجع عنها فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل إنا لله وإِنا إليه راجعون ، وذلك أنه تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة وقيل اتفاقاً فلما مر بسوادها قرب منها فعرفها ، فاسترجع وقال ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفت هاهنا ، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة فوقع أهل «الإفك » في مقالتهم وكل الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه{[8622]} عبدالله بن أبي ابن سلول المنافق وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح بن أَثاثة وحمنة بنت جحش ، وهذا اختصار الحديث هو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم وهو في مسلم أكمل{[8623]} وكان صفوان صاحب ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته وكان من خيار الصحابة قال لما سمع ما قال الناس فيه : سبحان الله والله ما كشفت كنف{[8624]} أنثى قط .
قال الفقيه الإمام القاضي : أراد بزنى{[8625]} ، ويدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنيه «لهما أشبه به من الغراب بالغراب »{[8626]} وقيل كان حصوراً لا يأتي النساء ذكره ابن إسحاق عن طريق عائشة ، وقتل شهيداً رضي الله عنه في غزوة أرمينية سنة تسع عشر في زمن عمر ، وقيل في بلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمن معاوية ، وقوله { عصبة } رفع على البدل من الضمير في { جاؤوا } وخبر { إن } في قوله { لا تحسبوه } والتقدير إن فعل الذين ، وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة من أَن يكون { عصبة } خبر { إن } و «العصبة » الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، قاله يعقوب وغيره ولا يقال عصبة لأقل من عشرة ولم يسم من أهل «الإفك » إلا حسان ومسطح وحمنة وعبد الله{[8627]} وجهل الغير قاله عروة بن الزبير وقد سأله عن ذلك عبد الملك بن مروان وقال ألا إنهم كانوا { عصبة } كما قال الله تعالى .
وقوله { لا تحسبوه } خطاب لكل من ساءه من المؤمنين ، وقوله { بل هو خير لكم } يريد أنه تبرئة في الدنيا وترفيع من الله تعالى في أَن نزل وحيه بالبراءة من ذلك وأجر جزيل في الآخرة وموعظة للمؤمنين في غابر الزمن ، ونقمة من المفترين في الدنيا والآخرة . ففي ذلك شفاء وخير هذه خمسة أوجه ، والضمير في قوله { منهم } عائد على العصبة المذكورة ، و { اكتسب } مستعملة في المآثم ونحوها لأنها تدل على اعتمال وقصد فهو أبلغ في التذنيب ، وكسب مستعمل في الخير وذلك أن حصوله مغن عن الدلالة على اعتمال فيه ، وقد تستعمل كسب في الوجهين ومثله :
فحملت برة واحتملت فجاره{[8628]} ، والإشارة بقوله { والذي تولى كبره } إلى عبد الله بن أبي سلول ، والعذاب المتوعد به هو عذاب الآخرة ، وهذا قول الجمهور وهو ظاهر الحديث ، وروي عن عائشة رضي الله عنها أَن حسان بن ثابت دخل عليها يوماً وقد عمي فأنشدها مدحه فيها : [ الطويل ]
حصان رزان ما تزنُّ بريبة . . . وتصبح غرثى من لحوم الغوافل{[8629]}
فقالت له عائشة : لا لكنك لست كذلك تريد أَنه وقع في الغوافل فأنشد : [ الطويل ]
فإن كان ما قد قيل عني قلته . . . فلا رفعت سوطي إليَّ أَناملي{[8630]}
فلما خرج قال لها مسروق أيدخل هذا عليك وقد قال ما قال وتوعده الله بالعذاب على توليه كبر الإفك ، فقالت عائشة أي عذاب أشد من العمى ، وضرب الحد ؟ وفي بعض الروايات وضربه بالسيف ع فأما قولها عن الحد فإن حسان بن ثابت وحمنة ومسطحاً حدوا ، ذكر ذلك ابن إسحاق وذكره الترمذي ، وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن ابن أبي حد ، وهذا عندي لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه لم يحفظ عن عبد الله الرمي ، قال عروة في البخاري : ( أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه ){[8631]} . وأَما ضربة بالسيف فإن صفوان بن العطل لما بلغه قول حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربة على رأسه وقال : [ الطويل ]
تلق ذباب السيف عني فإنني . . . غلام إذا هوجيت لست بشاعر
فأخذ جماعة صفوان ولببوه وجاؤوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر رسول الله صلى الله عليه جرح حسان واستوهبه إياه ، وهذا يقتضي أن حسان ممن تولى الكبر{[8632]} ، وقال الإشارة ب { الذي } إلى البادي بهذه الفرية والذي اختلقها ف { لكل } واحد { منهم ما اكتسب } وللبادي المفتري عذاب عظيم ، وهو على غير معين وهذا قول الضحاك والحسن وقال أَبو زيد وغيره هو عبد الله بن أَبي ، وقرأ جمهور الناس «كِبره » بكسر الكاف ، وقرأ حميد والأعرج ويعقوب والزهري وأَبو رجاء والأعمش وابن أَبي عبلة «كُبره » بضم الكاف وهما مصدران من كبر الشيء عظم ، ولكن استعملت العرب ضم الكاف في السن تقول هذا كبر القوم أي كبيرهم سناً أو مكانة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة حويصة ومحيصة «الكبر الكبر »{[8633]} ومن استعماله في المعنى الثاني قول ابن الحطيم : [ المنسرح ]
تنام عن كبر شأنها فإذا . . . قامت رويداً تكاد تنقصف{[8634]}
الخطاب بهاتين الآيتين لجميع المؤمنين حاشى من تولى الكبر ويحتمل دخولهم في الخطاب ، وفي هذا عتاب للمؤمنين أي كان الإنكار واجباً عليهم ، والمعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم وإذا كان ذلك يبعد فيهم فكانوا يقضون بأنه من صفوان وعائشة أبعد لفضلهما ، وروي أَن هذا النظر السديد وقع من أَبي أيوب الأنصاري وامرأته ، وذلك أنه دخل عليها فقالت له يا أًبا أيوب أسمعت ما قيل ؟ فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك ؟ قالت لا والله ، قال فعائشة والله أفضل منك ، قالت أم أيوب نعم{[8620]} فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله المؤمنين [ عليه ]{[8621]} إذ لم يفعله جميعهم .