تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ }

يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين ، ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهممهم : { ولا تهنوا ولا تحزنوا } أي : ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم ، ولا تحزنوا في قلوبكم ، عندما أصابتكم المصيبة ، وابتليتم بهذه البلوى ، فإن الحزن في القلوب ، والوهن على الأبدان ، زيادة مصيبة عليكم ، وعون لعدوكم عليكم ، بل شجعوا قلوبكم وصبروها ، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم ، وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن ، وهم الأعلون في الإيمان ، ورجاء نصر الله وثوابه ، فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك ، ولهذا قال [ تعالى ] : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

وبعد هذا البيان الحكيم ، يتجه القرآن إلى المؤمنين بالتثبيت والتعزية فينهاهم عن أسباب الفشل والضعف ، ويأمرهم بالصمود وقوة اليقين . ويبشرهم بأنهم هم الأعلون فيقول : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .

وقوله { تَهِنُوا } من الوهن - بسكون الهاء وفتحها - وهو الضعف . وأصله ضعف الذات كما فى قوله - تعالى - حكاية عن زكريا : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي }

أى ضعف جسمى .

وهو هنا مجاز عن خور العزيمة ، وضعف الإرادة ، وانقلاب الرجاء يأساً والشجاعة جبنا ، واليقين شكا ، ولذلك نهوا عنه .

وقوله : { تَحْزَنُوا } من الحزن وهو ألم نفسى يصيب الإنسان عند فقد ما يحب أو عدم إدراكه ، أو عند نزول أمر يجعل النفس فى هم وقلق .

والمقصود من النهى عن الوهن والحزن ، النهى عن سببهما وعن الاسترسال فى الألم مما أصابهم فى غزوة أحد .

والمعنى : لا تسترسلوا - أيها المؤمنون - فى الهم والألم مما أصابكم فى يوم أحد ، ولا تضعفوا عن جهاد أعدائكم فإن الضعف ليس من صفات المؤمنين ، ولا تحزنوا على من قتل منكم فإن هؤلاء القتلى من الشهداء الذين لهم منزلتهم السامية عند الله .

وقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } جملة حالية من ضمير الجماعة فى ولا تهنوا ولا تحزنوا والمقصوج بها بشارتهم وتسليتهم وإدخال الطمأنينة على قلوبهم .

أى لا تضعفوا ولا تحزنوا والحال أنكم أنتم الأعلون الغالبون دون عدوكم فأنتم قد أصبتم منهم فى غزوة بدر أكثر مما أصابوا منكم فى غزوة أحد . وأنتم تقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله وهم يقاتلون فى سبيل الطاغوت .

وأنتم سيكون لكم النصر عليهم فى النهاية ، لأن الله - تعالى - قد وعدكم بذلك فهو القائل : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } . وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } جملة شرطية ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله .

أى : إن كنتم مؤمنين حقا فلا تهنوا ولا تحزنوا بل اعتبروا بمن سبقكم ولا تعودوا لما وقعتم فيه من أخطاء يوجب قوة القلب ، وصدق العزيمة ، والصمود فى وجه الأعداء ، والإصرار على قتالهم حتى تكون كلمة الله هى العليا .

والتعليق بالشرط فى قوله { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } : المراد منه التهييج لنفوسهم حتى يكون تمسكها بالإيمان أشد وأقوى ، إذ قد علم الله - تعالى - أنهم مؤمنون ، ولكنهم لما لاح عليهم الوهن والحزن بسبب ما أصابهم فى أحد صاروا بمنزلة من ضعف يقينه ، فقيل لهم : إن كنتم مؤمنين حقا فاتركوا الوهن والحزن وجدوا فى قتال أعدائكم ، فإن سنة الله فى خلقه اقتضت أن تصيبوا من أعدائكم وأن تصابوا منهم إلا أن العاقبة ستكون لكم .

فالآية الكريمة تحريض للمؤمنين على الجهاد والصبر ، وتشجيع على القتال وتسلية لهم عما أصابهم ، وبشارة بأن النصر فى النهاية سيكون حليفهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

{ ولا تهنوا ولا تحزنوا } : تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد ، والمعنى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ولا تحزنوا على من قتل منكم . { وأنتم الأعلون } : وحالكم إنكم أعلى منهم شأنا ، فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة ، وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار ، أو لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم ، أو وأنتم الأعلون في العاقبة فيكون بشارة لهم بالنصر والغلبة . { إن كنتم مؤمنين } : متعلق بالنهي أي لا تهنوا إن صح إيمانكم ، فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله أو بالأعلون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

قوله : { ولا تهنوا ولا تحزنوا } نهي للمسلمين عن أسباب الفشل . والوهن : الضعف ، وأصله ضعف الذات : كالجسم في قوله تعالى : { ربِّ إنِّي وهَن العظم منِّي } [ مريم : 4 ] ، والحبْل في قول زهير :

فأصبح الحَبْل منها خَلَقا

وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأساً ، والشَّجاعة جبناً ، واليقين شكّاً ، ولذلك نهوا عنه . وأمَّا الحزن فهو شدّة الأسف البالغة حدّ الكآبة والانكسار . والوهنُ والحزن حالتان للنفس تنشآن عن اعتقاد الخيبة والرزء فيترتّب عليهما الاستسلام وترك المقاومة . فالنهي عن الوهن والحزن في الحقيقة نهي عن سببهما وهو الاعتقاد ، كما يُنهى عن النسيان ، وكما يُنهى أحد عن فعل غيره في نحو لا أرَيَنّ فلاناً في موضع كذا أي لا تَتْركْه يحلّ فيه ، ولذلك قدّم على هذا النَّهي قوله : { قد خلت من قبلكم سنن } [ آل عمران : 137 ] إلخ . . . وعقب بقوله : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .

وقوله : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، الواو للعطف وهذه بشارة لهم بالنَّصر المستقبل ، فالعلوّ هنا علوّ مجازيّ وهو علوّ المنزلة .

والتَّعليق بالشرط في قوله : { إن كنتم مؤمنين } قصد به تهييج غيرتهم على الإيمان إذ قد علِم الله أنَّهم مؤمنون ولكنَّهم لمّا لاح عليهم الوهن والحزن من الغلبة ، كانوا بمنزلة من ضعف يقينه فقيل لهم : إن علمتم من أنفسكم الإيمان ، وجيء بإن الشرطية الَّتي من شأنها عدم تحقيق شرطها ، إتماماً لِهذا المقصد .