التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

قوله تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتهم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) .

قال ابن عباس في سبب نزول هذه الآية : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد . فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بين الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " اللهم لا يعلون علينا ، اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك ، اللهم ليس بعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر " فأنزل الله تعالى هذه الآيات . وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم . فذلك قوله : ( وأنتم الأعلون ) .

وقوله : ( إن يمسسكم قرح ) جاء في سبب نزولها أنه لما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم كئيبا حزينا يوم أحد ، جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم{[593]} فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أهكذا يفعل برسولك ؟ " فأنزل الله : ( إن يمسسكم قرح ) .

وقوله : ( وما محمد إلا رسول ) جاء في سبب نزولها أنه لما كان يوم أحد انهزم الناس ، فقال بعض الناس : قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم ، فإنما هو إخوانكم . وقال بعضهم : إن كان محمد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليكم نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) {[594]} .

بعد ذلك نقول : إن الله تعالى يعزي المؤمنين ويسرّي عنهم بما يكفكف عنهم نائبة الحزن والاغتمام فيقول : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) أي لا تضعفوا ولا يمسنكم الخور أو العجز والفشل ، ولا يقعدنكم الحزن عن جهاد أعدائكم ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وهذه بشارة لهم بالعلو والغلبة . أي وأنتم الأعلون في العاقبة أي الغالبون ، ( إن كنتم مؤمنين ) : أي إن كنتم مصدقين بما يعدكم الله ويبشركم به من الغلبة .


[593]:- تلدك، من اللدم، بسكون الدال، وهو اللطم والضرب بشيء ثقيل يسمع وقعه. والتدم أي اضطرب والمرأة ضربت صدرها في النياحة. انظر القاموس المحيط جـ 4 ص 177.
[594]:- أسباب النزول للنيسابوري . ص 82، 83