{ 32 - 33 } { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }
أي : ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره ، والمراد بالشعائر : أعلام الدين الظاهرة ، ومنها المناسك كلها ، كما قال تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ومنها الهدايا والقربان للبيت ، وتقدم أن معنى تعظيمها ، إجلالها ، والقيام بها ، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد ، ومنها الهدايا ، فتعظيمها ، باستحسانها واستسمانها ، وأن تكون مكملة من كل وجه ، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب ، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه ، لأن تعظيمها ، تابع لتعظيم الله وإجلاله .
ثم أمر - سبحانه - بتعظيم شعائره بعد أن أمر بتعظيم حرماته فقال : { ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب } .
قال القرطبى : والشعائر : جمع شعيرة ، وهى كل شىء لله - تعالى - فيه أمر أشعر به وأعلم . ومنه شعار القوم فى الحرب ، أى : علامتهم التى يتعارفون بها . ومنه إشعار البدنة وهو الطعن فى جانبها الأيمن حتى يسيل الدم فيكون علامة لها . . فشعائر الله : إعلان دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك . و قال قوم : المراد هنا تسمين البدن . والاهتمام بأمرها . . .
والمعنى : ذلك الذى أمرناكم به أو نهنياكم عنه عليكم امتثاله وطاعته ، والحال أن من يعظم شعائر الله ، التى من بينها الذبائح التى يتقرب بها إليه - تعالى - يكون تعظيمه إياها عن طريق تسمينها ، وحسن اختيارها يكون دليلا على تقوى القلوب ، وحسن صلتها بالله - سبحانه - وخشيتها منه ، وحرصها على رضاه - عز وجل - .
قال الآلوسى : وتعظيمها أن تهتار حسانا سمانا غالية الأثمان . روى أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبى جهل فى أنفه برة - أى حلقه - من ذهب . وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعها ويشترى بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ، وقال له : بل أهدها . . .
وفى إضافة هذه الشعائر إلى الله - تعالى - : حض على الاهتمام بها وفعل ما يرضى الله - تعالى - بالنسبة لها .
والضمير المؤنث فى قوله { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب } يعود على الفعلة التى يتضمنها الكلام ، أو إلى الشعائر بحذف المضاف ، أى : فإن تعظيمها أى الشعائر من تقوى القلوب ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه .
{ ذلك ومن يعظم شعائر الله } دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه ، أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده ، وتعظيمها أن تختارها حسانا سمانا عالية الأثمان . روي أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفة برة من ذهب ، وأن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار { فإنها من تقوى القلوب } فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور أو الآمرة بهما .
التقدير في هذا الموضع الأمر ذلك ، و «الشعائر » جميع شعيرة وهي كل لله تعالى ، فيه أمر أشعر به وأعلم ، قال فرقة : قصد ب «الشعائر » في هذه الآية للهدي والأنعام المشعرة ، ومعنى تعظيمها تسميتها والاهتبال بأمرها والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة ، وعود الضمير في { إنها } على التعظمة والفعلة التي يتضمنها الكلام ، وقرأ «القلوبُ » بالرفع على أنها الفاعلة بالمصدر الذي هو { تقوى } .
الشعائر : جمع شعيرة : المَعْلم الواضح مشتقة من الشعور . وشعائر الله : لقب لمناسك الحجّ ، جمع شعيرة بمعنى : مُشعِرة بصيغة اسم الفاعل أي معلمة بما عينه الله .
فمضمون جملة { ومن يعظم شعائر الله } الخ . . . أخص من مضمون جملة { ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] وذكر الأخص بعد الأعم للاهتمام . أو بمعنى مشعر بها فتكون شعيرة فعيلة بمعنى مفعولة لأنها تجعل ليشعر بها الرائي . وتقدم ذكرها في قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } في [ سورة البقرة : 158 ] . فكل ما أمر الله به بزيارته أو بفعل يوقع فيه فهو من شعائر الله ، أي مما أشعر الله الناس وقرره وشهره . وهي معالم الحجّ : الكعبة ، والصفا والمروة ، وعرفة ، والمشعر الحرام ، ونحوها من معالم الحجّ .
وتطلق الشعيرة أيضاً على بدنة الهدى . قال تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } [ الحج : 36 ] لأنهم يجعلون فيها شِعاراً ، والشِعار العلامة بأن يطعنوا في جلد جانبها الأيمن طعناً حتى يسيل منه الدم فتكون علامة على أنها نُذرت للهدي ، فهي فعلية بمعنى مفعولة مصوغة من أشعر على غير قياس .
فعلى التفسير الأول تكون جملة { ومن يعظم شعائر الله } إلى آخرها عطفاً على جملة { ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] الخ . وشعائر الله أخصّ من حرمات الله فعطف هذه الجملة للعناية بالشعائر .
وعلى التفسير الثاني للشعائر تكون جملة { ومن يعظم شعائر الله } عطفاً على جملة { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } [ الحج : 28 ] تخصيصاً لها بالذكر بعد ذكر حرمات الله .
وضمير { فإنها } عائد إلى شعائر الله المعظمة فيكون المعنى : فإن تعظيمها من تقوى القلوب .
وقوله { فإنها من تقوى القلوب } جواب الشرط والرابط بين الشرط وجوابه هو العموم في قوله : { القلوب } فإن من جملة القلوب قلوب الذين يعظمون شعائر الله . فالتقدير : فقد حلّت التقوى قلبه بتعظيم الشعائر لأنها من تقوى القلوب ، أي لأنّ تعظيمها من تقوى القلوب .
وإضافة { تقوى } إلى { القلوب } لأنّ تعظيم الشعائر اعتقاد قلبي ينشأ عنه العمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.