تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

{ 25-28 } { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }

يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان على أعقابهم إلى الضلال والكفران ، ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان ، وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم ، وإملاء منه لهم : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

ثم تواصل السورة حديثها عن النمافقين ، فتفصح عن الأسباب التى حملتهم على هذا النفاق ، وتصور أحوالهم السيئة عندما تتوفاهم الملائكة ، وتهددهم بفضح رذائلهم ، وهتك أسرارهم . . قال - تعالى - : { إِنَّ الذين ارتدوا . . . وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } .

والمراد بارتدادهم على أدبارهم : رجوعهم إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال .

أى : إن الذين رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال ، وهم المنافقون ، الذين يتظاهرون بالإِسلام ويخفون الكفر .

وقوله : { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى } ذم لهم على هذا الارتداد ، لأنهم لم يعودوا إلى الكفر عن جهالة ، وإنما عادوا إليه من بعد أن شاهدوا الدلائل الظاهرة ، والبراهين الساطعة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن الإِسلام هو الدين الحق .

وقوله : { الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ } جملة من مبتدأ وخبر ، وهى خبر إن فى قوله - سبحانه - : { إِنَّ الذين ارتدوا } .

وقوله : { سَوَّلَ } من التسويل بمعنى التزيين والتسهيل . يقال : سولت لفلان نفسه هذا الفعل ، أى : زينته وحسنته له ، وصورته له فى صورة الشئ الحسن مع أنه قبيح .

وقوله : { وأملى } من الإِملاء وهو الإِبقاء ملاوة من الدهر ، أى : زمنا منه أى : الشيطان زين لهؤلاء المنافقين سوء أعمالهم ، ومد لهم فى الأمانى الباطلة ، والآمال الفاسدة ، وأسباب الغواية والضلال .

وأسند - سبحانه - هذا التسويل والإِملاء إلى الشيطان ، مع أن الخالق لذلك هو الله - تعالى - لأن الشيطان هو السبب فى هذا الضلال والخسران .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

ثم قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ } أي : فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر ، { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } أي : زين لهم ذلك وحسنه ، { وَأَمْلَى لَهُمْ } أي : غرهم وخدعهم ،

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

{ إن الذين ارتدوا على أدبارهم } أي ما كانوا عليه من الكفر . { من بعد ما تبين لهم الهدى } بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة . { الشيطان سول لهم } سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء . وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني ، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واوا لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل ، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ " سول " على تقدير مضاف أي كيد الشيطان { سول لهم } . { وأملى لهم } ومد لهم في الأمال والأماني ، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب " وأملي لهم " ، أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف ، وقرأ أبو عمرو " وأملي لهم " على البناء للمفعول وهو ضمير { الشيطان } أو { لهم } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

لم يزل الكلام على المنافقين فالذين ارتدوا على أدبارهم منافقون ، فيجوز أن يكون مراداً به قوم من أهل النفاق كانوا قد آمنوا حقا ثم رجعوا إلى الكفر لأنهم كانوا ضعفاء الإيمان قليلي الاطمئنان وهم الذين مثلهم الله في سورة البقرة ( 17 ) بقوله : { مَثَلهم كمثل الذين استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } الآية .

والارتداد على الأدبار على هذا الوجه : تمثيل للراجع إلى الكفر بعد لإيمان بحال من سار ليصل إلى مكان ثم ارتد في طريقه . ولما كان الارتداد سيراً إلى الجهة التي كانت وراء السائر جُعل الارتداد إلى الأدبار ، أي إلى جهة الأدبار . وجيء بحرف على } للدلالة على أن الارتداد متمكن من جهة الأدبار كما يقال : على صراط مستقيم .

والهدى : الإيمان ، وتبيّن الهدى لهم على هذا الوجه تبيّن حقيقي لأنهم ما آمنوا إلا بعد أن تبين لهم هدى الإيمان .

وعلى هذا الوجه فالإتيان بالموصول والصلة ليس إظهاراً في مقام الإضمار لأن أصحاب هذه الصلة بعض الذين كان الحديث عنهم فيما تقدم . ويجوز أن يكون مراداً به جميعُ المنافقين ، عبر عن تصميمهم على الكفر بعد مشاركتهم المسلمين في أحوالهم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة معه وسماععِ القرآن والمواعظ بالارتداد لأنه مفارقة لتلك الأحوال الطيبة ، أي رجعوا إلى أقوال الكفر وأعماله وذلك إذا خلوا إلى شياطينهم ، وتبين الهدى على هذا الوجه كونه بيّناً في نفسه ، وهو بيّن لهم لوضوح أدلته ولا غبار عليه ، فهذا التبين من قبيل قوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] ، أي ليس معه ما يوجب ريب المرتابين . l ويجوز أن يكون المراد به قوماً من المنافقين لم يقاتلوا مع المسلمين بعد أن علموا أن القتال حق . وهذا قول ابن عباس والضحاك والسدّي ، وعليه فلعل المراد : الجماعة الذين انخزلوا يوم أُحُد مع عبد الله بن أُبَيّ بن سلول ، والارتداد على الأدْبار على هذا الوجه حقيقة لأنهم رجعوا عن موقع القتال بعد أن نزلوا به فرجعوا إلى المدينة وكانت المدينة خلفهم . وهذا عندي أظهر الوجهين وأليق بقوله بعد { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر إلى قوله : { وأدبارهم } [ محمد : 26 ، 27 ] . والهدى على هذا الوجه هو الحقّ ، أي من بعد ما علموا أن الحق قتال المشركين .

وأوثر أن يكون خبر ( إنَّ ) جملة ليتاتَّى بالجملة اشتمالها على خصائص الابتداءِ باسم الشيطان للاهتمام به في غرض ذمهم ، وأن يسند إلى اسمه مُسند فعلي ليفيد تقوّي الحكم نحو : هو يعطي الجزيل .

والتسويل : تسهيل الأمر الذي يستشعر منه صعوبة أو ضر وتزيين ما ليس بحسن .

والإملاء : المدّ والتمديد في الزمان ، ويطلق على الإبقاء على الشيء كثيراً ، أي أراهم الارتداد حسناً دائماً كما حكى عنه في قوله تعالى : { قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى } [ طه : 120 ] ، أي أن ارتدادهم من عمل الشيطان .

وقرأ الجمهور { وأملى لهم } بفتح الهمزة على صيغة المبني للفاعل . وقرأه أبو عمرو بضم الهمزة وكسر اللام وفتح التحتية على صيغة المبني إلى المجهول . وقرأه يعقوب بضم الهمزة وكسر اللام وسكون التحتية على أنه مسند إلى المتكلم فالضمير عائد إلى الله تعالى ، أي الشيطان سَوّل لهم وأنا أُملِي لهم فيكون الكلام وعيداً ، أي أنا أؤخرهم قليلاً ثم أعاقبهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إنّ الّذِينَ ارْتَدّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَى" يقول الله عزّ وجلّ: إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحقّ وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجة، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم... عن قتادة، قوله: "إنّ الّذِينَ ارْتَدّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَى "هم أعداء الله أهل الكتاب، يعرفون بعث محمد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم، ثم يكفرون به...

وقال آخرون: عنى بذلك أهل النفاق...

وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا، أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أن الله عزّ وجلّ أخبر أن ردّتهم كانت بقيلهم "لِلّذِينَ كَرِهُوا، ما نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُم في بَعْضِ الأَمْرِ" ولو كانت من صفة أهل الكتاب، لكان في وصفهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.

وقوله: "الشّيْطانُ سَوّلَ لَهُمْ" يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى...

وقوله: "وأمْلَى لَهُمْ" يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبراً لأنّ، كقولك: إنّ زيداً عمرو مرّ به. سوّل لهم: سهل لهم ركوب العظائم، من السول وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً {وأملى لَهُمْ} ومدّ لهم في الآمال والأماني.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إن الذين ارتدوا} أي عالجوا نفوسهم في منازعة الفطرة الأولى في الرجوع عن الإسلام، وهو المراد بقوله: {على أدبارهم} أي من أهل الكتاب وغيرهم، فقلبوا وجوه الأمور إلى ظهورها، فوقعوا في الضلال فكفروا...

. {من بعد ما تبين} غاية البيان الذي لا خفاء معه بوجه وظهر غاية الظهور {لهم} بالدلائل التي هي من شدة ظهورها غنية عن بيان مبين {الهدى} أي الذي أتاهم به رسولنا صلى الله عليه وسلم...

{الشيطان} أي المحترق باللعنة البعيد من الرحمة {سول} أي حسن {لهم} بتزيينه وإغوائه الذي حصل لهم منه استرخاء في عزائمهم وفتور في هممهم فجروا معه في مراده في طول الأمل...

. {وأملى لهم} أي أطال في ذلك ووسع بتكرار ذلك عليهم على تعاقب الملوين ومر الجديدين حتى نسوا المواعظ وأعرضوا عن الذكر...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويمضي في تصوير حال المنافقين، وسبب توليهم عن الإيمان بعد إذ شارفوه فيتبين أنه تآمرهم مع اليهود، ووعدهم لهم بالطاعة فيما يدبرون:

(إن الذين ارتدوا على أدبارهم -من بعد ما تبين لهم الهدى- الشيطان سول لهم وأملى لهم. ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر. والله يعلم إسرارهم)..

والتعبير يرسم معنى رجوعهم عن الهدى بعدما تبين لهم، في صورة حركة حسية، حركة الارتداد على الأدبار. ويكشف ما وراءها من وسوسة الشيطان وتزيينه وإغرائه. فإذا ظاهر هذه الحركة وباطنها مكشوفان مفهومان! وهم المنافقون الذين يتخفون ويتسترون!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لم يزل الكلام على المنافقين فالذين ارتدوا على أدبارهم منافقون...

.والارتداد على الأدبار على هذا الوجه: تمثيل للراجع إلى الكفر بعد لإيمان بحال من سار ليصل إلى مكان ثم ارتد في طريقه. ولما كان الارتداد سيراً إلى الجهة التي كانت وراء السائر جُعل الارتداد إلى الأدبار، أي إلى جهة الأدبار. وجيء بحرف على} للدلالة على أن الارتداد متمكن من جهة الأدبار كما يقال: على صراط مستقيم. والهدى: الإيمان، وتبيّن الهدى لهم على هذا الوجه تبيّن حقيقي لأنهم ما آمنوا إلا بعد أن تبين لهم هدى الإيمان ...

... والتسويل: تسهيل الأمر الذي يستشعر منه صعوبة أو ضر وتزيين ما ليس بحسن. والإملاء: المدّ والتمديد في الزمان، ويطلق على الإبقاء على الشيء كثيراً، أي أراهم الارتداد حسناً دائماً...

أي أن ارتدادهم من عمل الشيطان...