{ 39 - 40 ْ } { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ْ }
الإنذار هو : الإعلام بالمخوف على وجه الترهيب ، والإخبار بصفاته ، وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد ، يوم الحسرة حين يقضى الأمر ، فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد ، ويسألون عن أعمالهم ، . فمن آمن بالله ، واتبع رسله ، سعد سعادة لا يشقى بعدها ، . ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة{[504]} بعدها ، وخسر نفسه وأهله ، . فحينئذ يتحسر ، ويندم ندامة تتقطع منها القلوب ، وتنصدع منها الأفئدة ، وأي : حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته ، واستحقاق سخطه والنار ، على وجه لا يتمكن من الرجوع ، ليستأنف العمل ، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا ؟ !
تم أمر الله - تعالى - نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يخوف المشركين من أهوال يوم القيامة ، فقال : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
والإنذار : الإعلام بالمخوف منه على وجه الترهيب والتحذير ، وأشد ما يخوف به يوم القيامة .
والحسرة : أشد الندم على الأمر الذى فات وانقضى ولا يمكن تداركه .
أى : وأنذر - أيها الرسول الكريم - المشركين ، وخوفهم من أهوال يوم القيامة ، يوم يتحسر الظالمون على تفريطهم فى طاعة الله ، ولكن هذا التحسر لن ينفعهم ، لأن حكم الله قد نفذ فيهم وقضى الأمر بنجاة المؤمنين ، وبعذاب الفاسقين ، وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار .
وقوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } حال من الضمير المنصوب فى { أَنْذِرْهُمْ } .
أى : أنذرهم لأنهم فى حالة يحتاجون فيها إلى الإنذار وهى الغفلة وعدم الإيمان .
هذا ، وقد جاء فى الحديث الصحيح ما يدل على أن المراد بقوله - تعالى - { إِذْ قُضِيَ الأمر } .
أى : ذبح الموت . فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم . هذا الموت وكلهم قد رآه . ثم ينادى يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم . هذا الموت وكلهم قد رآه . فيذبح . ثم يقول : يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت . ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } " .
ثم قال تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } أي : أنذر الخلائق يوم الحسرة ، { إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } أي : فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودَخل كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه ، { وَهُمْ } أي : اليوم { فِي غَفْلَةٍ } عما أنذروا به { وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } أي : لا يُصَدقون به .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد [ الخدري ]{[18844]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال : " فيشرئبون [ فينظرون ]{[18845]} ويقولون : نعم هذا الموت " . قال : " فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت " قال : " فيؤمر به{[18846]} فيذبح " قال : " ويقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } وأشار بيده{[18847]} قال : " أهل الدنيا في غفلة الدنيا " .
هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ، به{[18848]} . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة : حدثني أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه وغيره ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بنحوه{[18849]} وهو في الصحيحين عن ابن عمر{[18850]} . ورواه ابن جُرَيْج قال : قال ابن عباس : فذكر من قبله نحوه{[18851]} . ورواه أيضًا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون{[18852]} وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كُهَيل ، حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - في قصة ذكرها ، قال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . [ فيرى أهل النار البيت الذي الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة ]{[18853]} قال : ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن مَنَّ الله عليكم . . . {[18854]}
وقال السدي ، عن زياد ، عن زِرِّ بن حُبَيْش ، عن ابن مسعود في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يُميتُ الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى : يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى : يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتًا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتًا من شهقة ماتوا فذلك قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ } يقول : إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } قال : يوم القيامة ، وقرأ : { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [ الزمر : 56 ]
{ وأنذرهم يوم الحسرة } يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه . { إذ قضي الأمر } فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ، وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل { لحسرة } . { وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } حال متعلقة بقوله { في ضلال مبين } وما بينهما اعتراض ، أو ب { أنذرهم } أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين ، فتكون حالا متضمنة للتعليل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.