تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

{ 87 - 89 } { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا }

أي : قالوا له : ما فعلنا الذي فعلنا عن تعمد منا ، وملك منا لأنفسنا ، ولكن السبب الداعي لذلك ، أننا تأثمنا من زينة القوم التي عندنا ، وكانوا فيما يذكرون استعاروا حليا كثيرا من القبط ، فخرجوا وهو معهم وألقوه ، وجمعوه حين ذهب موسى ليراجعوه فيه إذا رجع .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

ثم حكى - سبحانه - معاذيرهم الواهية التى تدل على بلادة عقولهم ، وانتكاس أفكارهم ، وتفاهة شخصيتهم فقال - تعالى - : { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا . . . } .

وقوله { بِمَلْكِنَا } قرأه نافع وعاصم - بفتح الميم وسكون اللام - أى : بأمرنا . وقرأه حمزة والكسائي { بِمِلْكِنَا } بكسر الميم وسكون اللام - أى : بطاقتنا : وقرأه الباقون - بضم الميم وسكون اللام - أى : بسلطاننا ، وهو مصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف ، أى : بملكنا أمرنا .

أى : قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى على سبيل الاعتذار الذى هو أقبح من ذنب : ما أخلفنا موعدك فعبدنا العجل بأمرنا وطاقتنا واختيارنا ، فقد كان الحال أكبر من أن يدخل تحت سلطاننا ، ولو خلينا بيننا وبين أنفسنا ولم يسول لنا السامرى ما سول لبقينا على العهد الذى عاهدناك عليه ، وهو أن نعبد الله - تعالى - وحده .

وقوله : { ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري } حكاية لبقية ما قالوه من أعذار قبيحة .

ولفظ : " حملنا " قرأه ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم - بضم الحاء وتشديد الميم - على أنه فعل ونائب فاعل ، وقرأه الباقون - بفتح الحاء والميم - على أنه فعل وفاعل .

قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد بالقوم : القبط ، والأوزار : الأحمال وتسمى بها الآثام ، وقصدوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلى فى عيد لهم قبل الخروج من مصر ، وقيل : استعاروه باسم العرس . وقيل : هى ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا وهم فرعون وجنوده فأخذ بنو إسرائيل ذلك على أنه غنيمة مع أنها لم تكن حلالا لهم .

أى : قال بنو إسرائيل لموسى : ما أخلفنا عهدك بأمرنا ولكنا حملنا أثقالا وأحمالا من زينة القبط التى أخذناها منهم بدون حق { فَقَذَفْنَاهَا } فى النار بتوجيه من السامرى ، { فَكَذَلِكَ } أى : فكما ألقينا ما معنا { أَلْقَى السامري } ما معه من تلك الزينة .

قال ابن كثير : وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، فعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير ، وفعلوا الأمر الكبير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

عندئذ يعتذرون بذلك العذر العجيب ، الذي يكشف عن أثر الاستعباد الطويل ، والتخلخل النفسي والسخف العقلي : ( قالوا : ما أخلفنا موعدك بملكنا )فلقد كان الأمر أكبر من طاقتنا ! ( ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ) . . وقد حملوا معهم أكداسا من حلي المصريات كانت عارية عند نسائهم فحملنها معهن . فهم يشيرون إلى هذه الأحمال . ويقولون : لقد قذفناها تخلصا منها لأنها حرام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

وقرأ نافع وعاصم «بمَلكنا » بفتح الميم ، وقرأ حمزة والكسائي «بمُلكنا » بضمة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «بمِلكنا » بكسرة ، قال أبو علي هذه لغات ع ظاهر هذا الكلام أنها بمعنى واحد ولكن إن أبا علي وغيره قد فرق بين معانيها فأما ضم الميم فمعناه على قول أبي علي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بقوته وسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري وليس المعنى أن لهم ملكاً وإنما هذا كقول ذي الرمة : [ البسيط ]

لا يشتكي سقط منها وقد رقصت . . . بها المفاوز حتى ظهرها حدب{[1]}

إذ لا تكون منها سقطة فتشتكي ، قال وهذا كقوله تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً }{[2]} [ البقرة : 273 ] أي ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف ع وهذا كله في هذه الأمثلة غير متيقن من قول أبي علي وإنما مشى في ذلك على أثر الزجاج دون تعقب وقد شرحت هذا المعنى في سورة البقرة في تفسير { لا يسألون الناس إلحافاً } [ البقرة : 273 ] وبين أن هذه ليست كهذه الأمثلة لأنهم لم يرفعوا الإخلاف فيها والأمثلة فيها رفع الوجهين{[3]} ، وأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا ، وأما كسر الميم فقط كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل والمفعول مقدر أي «بملكنا الصواب » ، وهذا كما قد يضاف أحياناً إلى المفعول والفاعل مقدر كقوله تعالى : { بسؤال نعجتك }{[4]} [ ص : 24 ] ومن دعاء الخير{[5]} ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم «حُمّلنا » بضم الحاء وشد الميم ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «حَمَلنا » بفتح الحاء والميم{[6]} . و «الأوزار » الأثقال ، وتحتمل هذه التسمية أن تكون من حيث هي ثقيلة الأجرام ، ويحتمل أن يكون من حيث آمنوا في قذفها وظهر لهم أن ذلك هو الحق فكانت آثاماً لمن حملها . وقوله { فكذلك ألقى } أي فكما قذفنا نحن { فكذلك } أيضاً { ألقى السامري } ما كان بيده ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.