تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

أي : وإن من أهل الكتاب طائفة موفقة للخير ، يؤمنون بالله ، ويؤمنون بما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ، وهذا الإيمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ، ويكفر ببعض .

ولهذا -لما كان إيمانهم عاما حقيقيا- صار نافعا ، فأحدث لهم خشية الله ، وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لأوامره ونواهيه ، والوقوف عند حدوده .

وهؤلاء أهل الكتاب والعلم على الحقيقة ، كما قال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ومن تمام خشيتهم لله ، أنهم { لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلا } فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الانحراف الذين يكتمون ما أنزل الله ويشترون به ثمنا قليلا ، وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة ، وعلموا أن من أعظم الخسران ، الرضا بالدون عن الدين ، والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية ، وترك الحق الذي هو : أكبر حظ وفوز في الدنيا والآخرة ، فآثروا الحق وبينوه ، ودعوا إليه ، وحذروا عن الباطل ، فأثابهم الله على ذلك بأن وعدهم الأجر الجزيل ، والثواب الجميل ، وأخبرهم بقربه ، وأنه سريع الحساب ، فلا يستبطؤون ما وعدهم الله ، لأن ما هو آت محقق حصوله ، فهو قريب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

ثم بين - سبحانه - أن أهل الكتاب ليسوا سواء . بل منهم الأشرار ومنهم الأخيار ، وقد بين - سبحانه - هنا صفات الأخيار منهم فقال : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } .

أى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب } وهم اليهود والنصارى لفريقاً { يُؤْمِنُ بالله } إيمانا حقا منزها عن الإشراك بكل مظاهره ويؤمن بما { أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن الكريم على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن بحقيقة " ما أنزل إليهم " من التوراة والإنجيل ولا يزالون مع هذا الإيمان العميق { خَاشِعِينَ للَّهِ } أى خاضعين له - سبحانه - خائفين من عقابه ، طالبين لرضاه { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } أى لا يبيعون آيات الله أو حقيقة من حقائق دينهم فى نظير ثمن هو عرض من أعراض الدنيا الفانية ، لأن هذا الثمن المأخوذ قليل حتى ولو بلغ القناطير المقنطرة من الذهب والفضة .

فأنت ترى أنه - سبحانه - قد وصفهم بخمس صفات كريمة تدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم ، وفى هذا إنصاف من القرآن الكريم للمهتدين من أهل الكتاب .

وقد ذكر القرآن ما يشبه هذه الآية فى كثير من سوره ومن ذلك قوله - تعالى - { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } وقوله - تعالى - { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } وقدم - سبحانه - إيمانهم بالقرآن على إيمانهم بما أنزل عليهم لأن القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية والأمين عليها ، فما وافقه منها فهو حق وما خالفه فهو باطل وقوله { خَاشِعِينَ للَّهِ } حال من فاعل { يُؤْمِنُ } وجمع حملا على المعنى :

ثم بين - سبحانه - جزاءهم الطيب بعد بيان صفاتهم الكريمة فقال : { أولائك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } .

أى أولئك الموصفون بتلك الصفات الكريمة لهم أجرهم الجزيل فى مقابل أعمالهم الصالحة وأفعالهم الحميدة .

وقوله { إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها لكل عامل على ما ينبغى وقدر ما ينبغى .

ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر ؛ فإن سرعة الحساب تستدعى سرعة الجزاء فكأنه قيل : لهم أجرهم عند ربهم عن قريب ، لأن الله - تعالى - سريع الحساب والجزاء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

180

وقبل ختام السورة يعود السياق إلى أهل الكتاب ، فيقرر أن فريقا منهم يؤمن إيمان المسلمين ، وقد انضم إلى موكب الإسلام معهم . وسار سيرتهم . وله كذلك جزاؤهم :

( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم ، وما أنزل إليهم . خاشعين لله ، لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا . أولئك لهم أجرهم عند ربهم . إن الله سريع الحساب )

إنه الحساب الختامي مع أهل الكتاب . وقد ذكر من طوائفهم ومواقفهم فيما سبق من السورة الكثير . ففي معرض الإيمان ، وفي مشهد الدعاء والاستجابة ، يذكر كذلك أن من أهل الكتاب من سلكوا الطريق ، وانتهوا إلى النهاية . فآمنوا بالكتاب كله ، ولم يفرقوا بين الله ورسله ، ولم يفرقوا بين أحد من رسله . آمنوا بما أنزل إليهم من قبل ، وآمنوا بما أنزل للمسلمين - وهذه سمة هذه العقيدة التي تنظر إلى موكب الإيمان نظرة القرب والود ؛ وتنظر إلى خط العقيدة موصولا بالله ، وتنظر إلى منهج الله في وحدته وكليته الشاملة ، ويبرز من سمات المؤمنين من أهل الكتاب : سمة الخشوع لله وسمة عدم شرائهم بآياته ثمنا قليلا . . ليفرقهم بهذا من صفوف أهل الكتاب ، وسمتهم الأصيلة هي التبجح وقلة الحياء من الله . ثم التزوير والكتمان لآيات الله ، لقاء أعراض الحياة الرخيصة !

ويعدهم أجر المؤمنين عند الله . الذي لا يمطل المتعاملين معه - حاشاه - !

( إن الله سريع الحساب ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِمۡ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشۡتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (199)

اختلف المتأولون ، فيمن عنى بهذه الآية ، فقال جابر بن عبد الله وابن جريج وقتادة وغيرهم : نزلت بسبب أصحمة النجاشي سلطان الحبشة{[3813]} ، وذلك أنه كان مؤمناً بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلما مات عرف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، فكبر أربعاً{[3814]} ، وفي بعض الحديث : أنه كشف لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن نعشه في الساعة التي قرب منها للدفن ، فكان يراه من موضعه بالمدينة ، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط ، فنزلت هذه الآية{[3815]} ، وكان أصحمة النجاشي نصرانياً ، وأصحمة تفسيره بالعربية عطية ، قاله سفيان بن عيينة وغيره ، وروي أن المنافقين قالوا بعد ذلك : فإنه لم يصل القبلة فنزلت { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }{[3816]} وقال قوم : نزلت في عبد الله بن سلام ، وقال ابن زيد ومجاهد : نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب ، و { خاشعين } حال من الضمير في { يؤمن } ، ورد { خاشعين } على المعنى في «من » لأنه جمع لا على لفظ «من » لأنه إفراد ، وقوله تعالى : { لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً } مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم كسب الدنيا الذي هو ثمن قليل على آخرتهم وعلى آيات الله تعالى ، وقوله تعالى : { إن الله سريع الحساب } قيل معناه : سريع إتيان بيوم القيامة ، وهو يوم الحساب ، فالحساب إذاً سريع إذ كل آت قريب ، وقال قوم : { سريع الحساب } أي إحصاء أعمال العباد وأجورهم وآثامهم ، إذ ذلك كله في عمله لا يحتاج فيه إلى عد وروية ونظر كما يحتاج البشر .


[3813]:- هو أصحمة بن أبجر ملك الحبشة، هاجر إليه المسلمون في الهجرة الأولى، وكان من قصة إسلامه المشهورة أنه قال للقسيسين: أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، لولا ما أنا فيه من الملك أتيته، وكنت أحمل نعليه، وكان من أعلم أهل عصره بالإنجيل، يقرأ صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي حتى يبل لحيته، توفي في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب وصلى عليه صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب. "الشهاب على الشفاء" 3/267.
[3814]:- أخرجه البخاري في الجنائز عن مسدد، والترمذي فيه عن أحمد بن منيع، والنسائي فيه عن قتيبة وسويد بن نصر، وابن ماجة عن أبي بكر بن شبيبة، ومسلم فيه عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيه عن القعنبي، والنسائي فيه عن محمد بن رافع، ستتهم عن مالك "العيني 8/19" و"تيسير الوصول 290" أخرجه البزار، والطبراني، في "الأوسط" عن ابن عمر وعن أنس. والطبراني أيضا فيه عن أبي سعيد الخدري. كما أخرجه الطبراني في الكبير عن جرير، وعن ابن خارجة (مجمع الزوائد 3/38-39).
[3815]:- أخرجه الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد وإسناده حسن، (مجمع الزوائد 3/39).
[3816]:- من سورة البقرة: الآية (115).