تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

{ لَتَرْكَبُنَّ } [ أي : ] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي : أطوارا متعددة وأحوالا متباينة ، من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى نفخ الروح ، ثم يكون وليدًا وطفلًا ، ثم مميزًا ، ثم يجري عليه قلم التكليف ، والأمر والنهي ، ثم يموت بعد ذلك ، ثم يبعث ويجازى بأعماله ، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد ، دالة على أن الله وحده هو المعبود ، الموحد ، المدبر لعباده بحكمته ورحمته ، وأن العبد فقير عاجز ، تحت تدبير العزيز الرحيم ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

وقوله - سبحانه - { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } جواب القسم - كما سبق أن أشرنا - .

والمراد بالركوب : الملاقاة والمعاناة ، والخطاب للناس ، والطبق جمع طبقة ، وهى الشئ المساوى لشئ آخر ، والمراد بها هنا : الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد .

أى : وحق الشفق ، والمراد بها هنا : الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد .

أى : وحق الشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق . . لتلاقن - أيها الناس - أحوالا بعد أحوال ، هى طبقات ومراتب فى الشدة ، بعضها أصعب من بعض ، وهى الموت ، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } خطاب لجنس الإِنسان المنادى أولا ، باعتبار شموله لأفراده ، والمراد بالركوب : الملاقاة ، والطبق فى الأصل ما طابق غيره مطلقا .

وخص فى العرف بالحال المطابقة لغيرها . . و " عن " للمجاوزة ، أو بمعنى " بعد " والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة أو حالا من فاعل لتركبن ، والظاهر أن " طبقا " منصوب على المفعولية ، أى : لتلاقن حالا كائنة بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها فى الشدة والهول . . منها ما هو فى الدنيا ، ومنها ما هو فى الآخرة .

وقرأ الأخوان - حمزة الكسوائى - وابن كثير { لتركبن } بفتح الباء - على أنه خطاب للإِنسان - أيضا - ، ولكن باعتبار اللفظ ، لا باعتبار الشمول .

وأخرج البخارى عن ابن عباس أنه خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى : لتركبن - أيها الرسول الكريم - أحوال شريفة بعد أخرى من مراتب القرب . أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة ، ثم تكون العاقبة لك . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

( لتركبن طبقا عن طبق ) . . أي لتعانون حالا بعد حال ، وفق ما هو مرسوم لكم من تقديرات وأحوال . ويعبر عن معاناة الأحوال المتعاقبة بركوبها . والتعبير بركوب الأمور والأخطار والأهوال والأحوال مألوف في التعبير العربي ، كقولهم : " إن المضطر يركب الصعب من الأمور وهو عالم بركوبه " . . وكأن هذه الأحوال مطايا يركبها الناس واحدة بعد واحدة . وكل منها تمضي بهم وفق مشيئة القدر الذي يقودها ويقودهم في الطريق ، فتنتهي بهم عند غاية تؤدي إلى رأس مرحلة جديدة ، مقدرة كذلك مرسومة ، كتقدير هذه الأحوال المتعاقبة على الكون من الشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق . حتى تنتهي بهم إلى لقاء ربهم ، الذي تحدثت عنه الفقرة السالفة . . وهذا التتابع المتناسق في فقرات السورة ، والانتقال اللطيف من معنى إلى معنى ، ومن جولة إلى جولة ، هو سمة من سمات هذا القرآن البديع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وابن عباس وعمر بخلاف عنهما ، وأبو جعفر والحسن والأعمش وقتادة وابن جبير : «لتركبُن » بضم الباء على مخاطبة الناس ، والمعنى «لتركبن » الشدائد : الموت والبعث والحساب حالاً بعد حال أو تكون من النطفة إلى الهرم كما تقول طبقة بعد طبقة و { عن } تجيء في معنى بعد كما يقال : ورث المجد كابراً عن كابر وقيل المعنى «لتركبن » هذه الأحوال أمة بعد أمة ، ومنه قول العباس بن عبد المطلب عن النبي عليه السلام :

وأنت لما بعثت أشرقت الأ . . . رض وضاءت بنورك الطرق

تنقل من صالب إلى رحم . . . إذا مضى علم بدا طبق{[11711]}

أي قرن من الناس لأنه طبق الأرض ، وقال الأقرع بن حابس : [ البسيط ]

إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره . . . وساقني طبق منه إلى طبق{[11712]}

أي حال بعد حال ، وقيل المعنى : «لتركبن » الآخرة بعد الأولى ، وقرأ عمر بن الخطاب أيضاً : «ليركبن » على أنهم غيب ، والمعنى على نحو ما تقدم ، وقال ابو عبيدة ومكحول : المعنى «لتركبن » سنن من قبلكم .

قال القاضي أبو محمد : كما جاء في الحديث : «شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع{[11713]} » ، فهذا هو { طبق عن طبق } ، ويلتئم هذا المعنى مع هذه القراءة التي ذكرنا عن عمر بن الخطاب ، ويحسن مع القراءة الأولى ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وعمرو بن مسعود{[11714]} ومجاهد والأسود ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وعيسى : «لتركبَن » ، بفتح الباء على معنى : أنت يا محمد ، وقيل المعنى : حال بعد حال من معالجة الكفار ، وقال ابن عباس المعنى : سماء بعد سماء في الإسراء ، وقيل هي عدة بالنصر ، أي «لتركَبن » العرب قبيلاً بعد قبيل{[11715]} ، وفتحاً بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك ، قال ابن مسعود : المعنى : «لتركبَن » السماء في أهوال القيامة ، حالاً بعد حال تكون كالمهل وكالدهان وتتفطر وتتشقق ، فالسماء هي الفاعلة ، وقرأ ابن عباس أيضاً وعمر رضي الله عنهما : «ليركبن » بالياء على ذكر الغائب ، فإما أن يراد محمد صلى الله عليه وسلم على المعاني المتقدمة ، وقاله ابن عباس يعني : نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وإما ما قال الناس في كتاب النقاش من أن المراد : القمر ، لأنه يتغير أحوالاً وأسرارا واستهلالا .


[11711]:البيت الثاني في اللسان، واستشهد بالبيتين أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، والصالب: الصلب وهو الظهر، وهو قليل الاستعمال في اللغة، والرحم: موضع تكوين الجنين ووعاؤه في البطن. ومعنى (إذا مضى عالم بدا طبق): إذا مضى قرن ظهر قرن آخر، وإنما قيل للقرن طبق لأنهم طبق للأرض ثم ينقرضون ويأتي طبق للأرض آخر.
[11712]:الأقرع بن حابس هو أحد حكام العرب في الجاهلية، ومعنى (حلبت الدهر أشطره) خبرت ضروبه، إذ مر بي خيره وشره، يقال ذلك تشبيها بحلب أخلاف الناقة كلها ما كان منها ممتلئا وما كان غير ممتلىء، والناقة لها خلفان قادمان (أماميان) وخلفان خلفهما، فكأنه حلب القادمين وهما الخير، والآخرين وهما الشر، وكل خلفين شطر، أي نصف. ومعنى (ساقني طبق منه إلى طبق): ساقني حال من الزمان إلى حال آخر، وهذا كناية عن الخبرة المتنوعة. وهذا هو موضع الاستشهاد هنا.
[11713]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في الأنبياء وفي الاعتصام، ومسلم في العلم، وابن ماجه في الفتن، وأحمد في مواضع كثيرة من مسنده، والحديث بتمامه كما أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري، وعن عطاء بن يسار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال فمن؟".
[11714]:في بعض النسخ : "وعمر، وابن مسعود".
[11715]:القبيل : الجيل والجماعة من الناس، من قوم شتى أو من أب واحد.