تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

ف { قَالَ } موسى { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } بالتوبة والمغفرة ، والنعم الكثيرة ، { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا } أي : معينا ومساعدا { لِلْمُجْرِمِينَ } أي : لا أعين أحدا على معصية ، وهذا وعد من موسى عليه السلام ، بسبب منة اللّه عليه ، أن لا يعين مجرما ، كما فعل في قتل القبطي . وهذا يفيد أن النعم تقتضي من العبد فعل الخير ، وترك الشر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

ثم أكد موسى عليه السلام - للمرة الثالثة ، توبته إلى ربه ، وشكره إياه على نعمه ، فقال : { رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } .

والظهير : المعين لغيره والناصر له . يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه ، ويطلق على الواحد والجمع . ومنه قوله - تعالى - : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

قال صاحب الكشاف : قوله { بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف ، تقديره : أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } . وأن يكون استعطافا ، كأنه قال : رب اعصمنى بحق ما أنعمت على من المغفرة فلن أكون - إن عصمتنى - ظهيرا للمجرمين .

وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه فى جملته ، وتكثيره سواده ، حيث كان يركب بركوبه ، كالولد مع الوالد . وكان يسمى ابن فرعون . وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلى المؤدية إلى القتل الذى لم يحل له .

وهذه الضراعة المتكررة إلى الله - تعالى - من موسى - عليه السلام - ، تدل على نقاء روحه ، وشدة صلته بربه ، وخوفه منه ، ومراقبته له - سبحانه - ، فإن من شأن الأخيار فى كل زمان ومكان ، أنهم لا يعينون الظالمين ، ولا يقفون إلى جانبهم .

قال القرطبى : ويروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة ، يوم تزل الأقدام ، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه ، أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه ، أن ربه غفر له . والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء ، فور الدعاء ، حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوى ؛ وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد . . وارتعش وجدان موسى - عليه السلام - وهو يستشعر الاستجابة من ربه ، فإذا هو يقطع على نفسه عهدا ، يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه :

( قال : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) . .

فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا . وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها . حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ ، ومرارة الظلم والبغي . ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه ؛ ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل . وهذه الإرتعاشة العنيفة ، وقبلها الإندفاع العنيف ، تصور لنا شخصية موسى - عليه السلام - شخصية انفعالية ، حارة الوجدان ، قوية الاندفاع . وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة .

بل نحن نلتقي بها في المشهد الثاني في هذه الحلقة مباشرة :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ قال رب بما أنعمت علي } قسم محذوف الجواب أي اقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن . { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } أو استعطاف أي بحق إنعامك على اعصمني فلن أكون معينا لمن أدت معاونته إلى جرم . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى ، وقيل معناه بما انعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك .