{ 38 - 39 ْ } { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ْ }
هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، في كثرة أزواجه ، وأنه طعن ، بما لا مطعن فيه ، فقال : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ ْ } أي : إثم وذنب . { فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ْ } أي : قدر له من الزوجات ، فإن هذا ، قد أباحه اللّه للأنبياء قبله ، ولهذا قال : { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ْ } أي : لا بد من وقوعه .
وبعد أن بين - سبحانه - الحكمة من زواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش ، التى كانت قبل ذلك زوجة لزيد بن حارثة - الذى كان الرسول قد تبناه وأعتقه - بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة فى تقرير هذه الحكمة وتأكيدها ، وإزالة كل ما علق بالأذهان بشأنها ، فقال - تعالى - : { مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ . . . } .
أى : ما كان على النبى صلى الله عليه وسلم من حرج أو لوم أو مؤاخذة ، فى فعل ما أحله الله له ، وقدره عليه ، وأمره به من زواجه بزينب بعد أن طلقها ابنه بالتبنى زيد بن حارثة فقوله : { فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ } أى : فيما قسمه له ، وقدره عليه ، مأخوذ من قولهم : فرض فلان لفلان كذا ، أى : قدر له هذا الشئ وجعله حلالا له .
وقوله - تعالى - : { سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً } زيادة فى تأكيد هذه الحكمة ، وفى تقرير صحة ما فرضه الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم .
أى : ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه بزينب بعد طلاقها من زيد ، قد جعله الله - تعالى - سنة من سننه فى الأمم الماضية ، وكان أمر الله - تعالى - قدرا مقدورا . أى : واقعا لا محالة .
والقدر : إيجاد الله - تعالى - على قَدْرِ مخصوص حسبما تقتضى حكمته .
ويقابله القضاء : وهو الإِرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه . وقد يستعمل كل منهما بمعنى الآخر . والأظهر أن قدر الله - تعالى - هنا بمعنى قضائه .
ولفظ { مَّقْدُوراً } وصف جئ به للتأكيد ، كما فى قولهم : ظل ظليل ، وليل أليل ،
ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يوكدها ؛ ويزيل عنصر الغرابة فيها ، ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية :
( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) . .
فقد فرض له أن يتزوج زينب ، وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء . وإذن فلا حرج في هذا الأمر ، وليس النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فيه بدعا من الرسل .
( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) . .
فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل . والتي تتعلق بحقائق الأشياء ، لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس .
( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) . .
فهو نافذ مفعول ، لا يقف في وجهه شيء ولا أحد . وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن ، منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه . و يعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها . وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا ، ويقرر بنفسه السابقة الواقعية . ولم يكن بد من نفاذ أمر الله .
يقول تعالى : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } أي : فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب التي طلقها دَعِيُّه زيد بن حارثة .
وقوله : { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } أي : هذا حكم الله في الأنبياء قبله ، لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حَرج ، وهذا رَدٌّ على مَنْ تَوَهَّم مِن المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودَعيه ، الذي كان قد تبناه .
{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } أي : وكان أمره الذي يقدِّره كائنًا لا محالة ، وواقعًا لا محيد عنه ولا معدل ، فما شاء [ الله ]{[23537]} كان ، وما لم يشأ لم يكن .
هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة ، أعلمهم أنه لا حرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نيل ما فرض الله له وأباحه من تزويج زينب بعد زيد ، ثم اعلم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء من أن ينالوا ما أحل الله لهم ، وحكى الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها ، و { سنة } نصب على المصدر أو على إضمار فعل تقديره الزم أو نحوه . أو على الإغراء كأنه قال فعليه سنة الله ، و { الذين خلوا } هم الأنبياء بدليل وصفهم بعد بقوله { الذين يبلغون رسالات الله } ، و { أمر الله } في الآية أي مأمورات الله والكائنات عن أمره فهي مقدورة ، وقوله { قدراً } فيه حذف مضاف ، أي ذا قدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.