تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

{ 54 } { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا }

يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن ، وجلالته ، وعمومه ، وأنه صرف فيه من كل مثل ، أي : من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة ، والسعادة الأبدية ، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك ، ففيه أمثال الحلال والحرام ، وجزاء الأعمال ، والترغيب والترهيب ، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب ، اعتقادا ، وطمأنينة ، ونورا ، وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن وتلقيه بالانقياد والطاعة ، وعدم المنازعة له في أمر من الأمور ، ومع ذلك ، كان كثير من الناس يجادلون في الحق بعد ما تبين ، ويجادلون بالباطل { لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } ولهذا قال : { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } أي : مجادلة ومنازعة فيه ، مع أن ذلك ، غير لائق بهم ، ولا عدل منهم ، والذي أوجب له ذلك وعدم الإيمان بالله ، إنما هو الظلم والعناد ، لا لقصور في بيانه وحجته ، وبرهانه ، وإلا فلو جاءهم العذاب ، وجاءهم ما جاء قبلهم ، لم تكن هذه حالهم ، ولهذا قال : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

وقوله - سبحانه - { صرفنا } من التصريف بمعنى التنويع والتكرير .

والمثل : هو القول الغريب السائر فى الآفاق الذى يشبه مضربه مورده .

وقد أكثر القرآن من ضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى وتقريب الأمر المعقول من الأمر المحسوس ، وعرض الأمر الغائب فى صورة الحاضر .

والمعنى : ولقد كررنا ورددنا ونوعنا فى هذا القرآن من أجل هداية الناس ، ورعاية مصلحتهم ومنفعتهم ، من كل مثل من الأمثال التى تهدى النفوس ، وتشفى القلوب ، لعلهم بذلك يسلكون طريق الحق ، ويتركون طريق الباطل .

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة ، الشهادة من الله - تعالى - بأن هذا القرآن الذى أنزله - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم فيه من الأمثال الكثيرة المتنوعة النافعة ، ما يرشد الناس إلى طريق الحق والخير ، متى فتحوا قلوبهم له . وأعملوا عقولهم لتدبره وفهمه .

ومفعول { صرفنا } محذوف ، و " من " لابتداء الغاية ، أى : ولقد صرفنا البينات والعبر والحكم فى هذا القرآن ، من أنواع ضرب المثل لمنفعة الناس ليهتدوا ويذكروا .

ثم بين - سبحانه - موقف الإِنسان من هذه الأمثال فقال : { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } .

والمراد بالإنسان : الجنس ، ويدخل فيه الكافر والفاسق دخولا أوليا .

والجدل : الخصومة والمنازعة مع الغير فى مسألة من المسائل .

أى : وكان الإنسان أكثر شئ مجادلة ومنازعة لغيره ، أى : أن جدله أكثر من جدل كل مجادل .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ولقد بينا للناس فى هذا القرآن ، ووضحنا لهم الأمور ، وفصلناها ، كيلا يضلوا عن الحق . . ومع هذا البيان ، فالإنسان كثير المجادلة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة .

قال الإمام أحمد : " حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب . عن الزهرى قال : أخبرنى على بن الحسني ، أن الحسين بن على أخبره ، أن على بن أبى طالب أخبره . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق عليا وفاطمة ليلة فقال : " ألا تصليان ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله . . فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا . فانصرف حين قلت ذلك ولم يرفع إلى بشئ ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول : " وكان الإِنسان أكثر شئ جدلا " " .

وفى التعبير عن الإنسان فى هذه الجملة بأنه { شئ } وأنه { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } إشعار لهذا الإِنسان بأن من الواجب عليه أن يقلل من غروره وكبريائه . وأن يشعر بأنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة ، وأن ينتفع بأمثال القرآن ومواعظه وهداياته . . لا أن يجادل فيها بالباطل .

ومنهم من يرى أن المراد بالإنسان هنا : الكافر ، أو شخص معين ، قيل : هو النضر بن الحارث ، وقيل : أبى بن خلف .

لكن الظاهر أن المراد به العموم - كما أشرنا - ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

47

ولقد كان لهم عنها مصرف ، لو أنهم صرفوا قلوبهم من قبل للقرآن ، ولم يجادلوا في الحق الذي جاء به ، وقد ضرب الله لهم فيه الأمثال ونوعها لتشمل جميع الأحوال :

( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) . .

ويعبر السياق عن الإنسان في هذا المقام بأنه ( شيء ) وأنه أكثر شيء جدلا . ذلك كي يطامن الإنسان من كبريائه ، ويقلل من غروره ، ويشعر أنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة . وأنه أكثر هذه الخلائق جدلا . بعد ما صرف الله في هذا القرآن من كل مثل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

يقول تعالى : ولقد بينا للناس في هذا القرآن ، ووضحنا لهم الأمور ، وفصلناها ، كيلا{[18285]} يضلوا عن الحق ، ويخرجوا عن طريق الهدى . ومع هذا البيان وهذا الفرقان ، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني علي بن الحسين ، أن حسين بن علي أخبره ، أن علي بن أبي طالب أخبره ، أن رسول الله{[18286]} صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقال : " ألا تصليان ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بَعَثنا . فانصرف حين قلت ذلك ، ولم يَرْجع إلي شيئًا ، ثم سمعته وهو مولّ{[18287]} يضرب فخذه [ ويقول ]{[18288]} { وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا } أخرجاه في الصحيحين{[18289]} .


[18285]:في ف،: "لئلا".
[18286]:في ف، أ: "النبي".
[18287]:في ت، ف، أ: "يقول".
[18288]:زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
[18289]:المسند (1/112) وصحيح البخاري برقم (1227) وصحيح مسلم برقم (755).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

{ ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ } من كل جنس يحتاجون إليه . { وكان الإنسان أكثر شيء } يتأتى منه الجدل . { جدلا } خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز .