تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

{ 33 } { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

هذا استدلال منه تعالى على الإعادة بعد الموت بما هو أبلغ منها ، وهو أنه الذي خلق السماوات والأرض على عظمهما وسعتهما وإتقان خلقهما من دون أن يكترث بذلك ولم يعي بخلقهن فكيف تعجزه إعادتكم بعد موتكم وهو على كل شيء قدير ؟ "

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بتوبيخ المشركين على جهلهم وعدم تفكيرهم ، وبيَّن ما سيكونون عليه من خزى يوم القيامة ، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على أذاهم . فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ . . . إِلاَّ القوم الفاسقون } .

والهمزة فى قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله . . . } للاستفهام الإِنكارى ، والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام . .

أى : بلغ العمى والجهل بهؤلاء الكافرين ، أنهم لم يروا ولم يعقلوا أن الله - تعالى - الذى خلق السماوات والأرض بقدرته { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } أى : ولم يتعب ولم ينصب بسبب خلقهن ، من قولهم عيى فلان بالأمر - كفرح - إذا تعب ، أو المعنى : ولم يعجز عن خلقهن ولم يتحير فيه ، مأخوذ من قولهم : عيى فلان بأمره ، إذا تحير ولم يعرف ماذا يفعل .

وقوله : { بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى } فى محل رفع خبر { أَن } ، والباء فى قوله - تعالى - { بِقَادِرٍ } مزيدة للتأكيد .

فالمقصود بالآية الكريمة توبيخ المشركين على جهلهم وانطماس بصائرهم ، حيث لم يعرفوا أن الله - تعالى - الذى أوجد الكون ، قادر على أن يعيدهم الى الحياة بعد موتهم .

وأورد القرآن ذلك فى أسلوب الاستفهام الإِنكار ، ليكون تأنيبهم على جهلهم أشد .

وقوله : { بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تقرير وتأكيد لقدرته - تعالى - على إحياء الموتى ، لأن لفظ { بلى } يؤتى به فى الجواب لإِبطال النفى السابق ، وتقرير نقيضه ، بخلاف لفظ { نعم } فإنه يقرر النفى نفسه .

أى : بل إنه - سبحانه - قادر على إحياء الموتى ، لأنه - تعالى - على كل شئ قدير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

21

( أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى ? بلى . إنه على كل شيء قدير ) . .

وهي لفتة إلى كتاب الكون المنظور ، الذي ورد ذكره في أول السورة . وكثيرا ما يتضمن السياق القرآني مثل هذا التناسق بين قول مباشر في السورة ، وقول مثله يجيء في قصة ، فيتم التطابق بين مصدرين على الحقيقة الواحدة .

وكتاب الكون يشهد بالقدرة المبدعة ابتداء لهذا الخلق الهائل : السماوات والأرض . ويوحي للحس البشري بيسر الإحياء بعد الموت . وهذا الإحياء هو المقصود . وصياغة القضية في أسلوب الاستفهام والجواب أقوى

وآكد في تقرير هذه الحقيقة . ثم يجيء التعقيب الشامل : ( إنه على كل شيء قدير ) . . فتضم الإحياء وغيره في نطاق هذه القدرة الشاملة لكل شيء كان أو يكون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ بَلَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : أو لم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم ، وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم ، القائلون لاَبائهم وأمهاتهم أفَ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلَت القرون من قبلي فلم يبعثوا بأبصار قلوبهم ، فيروا ويعلموا أن الله الذي خلق السموات السبع والأرض ، فابتدعهنّ من غير شيء ، ولم يعي بإنشائهنّ ، فيعجز عن اختراعهنّ وإحداثهنّ بِقادِرٍ على أنْ يُحْيِي المَوْتَى فيخرجهم من بعد بلائهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم .

واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله : بِقادِرٍ فقال بعض نحويي البصرة : هذه الباء كالباء في قوله : كَفَى باللّهِ وهو مثل تَنْبُتُ بالدّهْنِ وقال بعض نحويي الكوفة : دخلت هذه الباء للمَ قال : والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها ، وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك : ما أظنك بقائم ، وما أظنّ أنك بقائم ، وما كنت بقائم ، فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه ، بما تعمل فيه من الفعل ، قال : ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع ، لأنه خبر لأن ، قال : وأنشدني بعضهم :

فَمَا رَجَعَتْ بخائِبَةٍ رِكابٌ *** حَكِيمُ بنُ المُسيّبِ مُنْتَهاها

فأدخل الباء في فعل لو ألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء ، يقاس على هذا ما أشبهه .

وقال بعض من أنكر قول البصريّ الذي ذكرنا قوله : هذه الباء دخلت للجحد ، لأن المجحود في المعنى وإن كان قد حال بينهما بأنّ «أوَ لَمْ يَرَوْا أنّ اللّهَ قادِرٌ على أنْ يُحْيِي المَوْتَى » قال : فأنّ اسم يَرَوْا وما بعدها في صلتها ، ولا تدخل فيه الباء ، ولكن معناه جحد ، فدخلت للمعنى .

وحُكي عن البصريّ أنه كان يأبى إدخال إلاّ ، وأن النحويين من أهل الكوفة يجيزونه ، ويقولون : ما ظننت أن زيدا إلا قائما ، وما ظننت أن زيدا بعالم . وينشد :

وَلَسْتُ بِحالِفٍ لَوَلَدْتُ مِنْهُمْ *** عَلى عَمّيّةٍ إلاّ زِيادا

قال : فأدخل إلا بعد جواب اليمين ، قال : فأما «كَفَى بِاللّهِ » ، فهذه لم تدخل إلا لمعنى صحيح ، وهي للتعجّب ، كما تقول لظَرُفَ بزيد . قال : وأما تَنْبُتُ بالدهن فأجمعوا على أنها صلة . وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : دخلت الباء في قوله بقادِرٍ للجَحْد ، لما ذكرنا لقائلي ذلك من العِلل .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : بِقادِرٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار ، عن أبي إسحاق والجَحْدِريّ والأعرج بِقادِرٍ وهي الصحيحة عندنا لإجماع قرّاء الأمصار عليها . وأما الاَخرون الذين ذكرتهم فإنهم فيما ذُكر عنهم كانوا يقرأون ذلك «يقدر » بالياء . وقد ذُكر أنه في قراءة عبد الله بن مسعود «أنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَواتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ » بغير باء ، ففي ذلك حجة لمن قرأه «بقادِرٍ » بالباء والألف . وقوله : بَلى إنّهُ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره : بلى ، يقدر الذي خلق السموات والأرض على إحياء الموتى : أي الذي خلق ذلك على كلّ شيء شاء خلقه ، وأراد فعله ، ذو قدرة لا يعجزه شيء أراده ، ولا يُعييه شيء أراد فعله ، فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء ، لأن من عجز عن ذلك فضعيف ، فلا ينبغي أن يكون إلها من كان عما أراد ضعيفا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

وقوله تعالى : { أو لم يروا } الضمير لقريش ، وهذه آية مثل واحتجاج ، لأنهم قالوا إن الأجساد لا يمكن أن تبعث ولا تعاد ، وهم مع ذلك معترفون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض فأقيمت عليهم الحجة من أقوالهم . والرؤية في قوله : { أو لم يروا } رؤية القلب .

وقرأ جمهور الناس : «ولم يعْيَ » بسكون العين وفتح الياء الأخيرة . وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يعِ » بكسر العين وسكون الياء وذلك على حذف{[10336]} .

والباء في قوله : { بقادر } زائدة مؤكدة ، ومن حيث تقدم نفي في صدر الكلام حسن التأكيد بالباء وإن لم يكن المنفي ما دخلت على عليه كما هي في قولك : ما زيد بقائم كان بدل { أو لم يروا } أوليس الذي خلق .

وقرأ ابن عباس وجمهور الناس : «بقادر » وقرأ الجحدري والأعرج وعيسى وعمرو بن عبيد : «يقدر » بالياء على فعل مستقبل ، ورجحها أبو حاتم وغلط قراءة الجمهور لقلق الباء عنده . وفي مصحف عبد الله بن مسعود «بخلقهن قادر » .

و : { بلى } جواب بعد النفي المتقدم ، فهي إيجاب لما نفي ، والمعنى : بلى رأوا ذلك أن لو نفعهم ووقع في قلوبهم ، ثم استأنف اللفظ الإخبار المؤكد بقوله : { إنه على كل شيء قدير } .


[10336]:قال ابن جني عن هذه القراءة:"هذا مذهب ترغب العرب عنه، وهو إعلال عين الفعل وتصحيح لامه، وإنما جاء ذلك في شيء من الأسماء، وهو (غاية وآية)، وقياسها (غياة وأياة)، ولم يأت هذا في الفعل إلا في بيت شاذ، أنشده الفراء، وهو: وكأنها بين النساء سبيكة تمشي بسدة بيتها فتعيّ فأعلّ العين وصحح اللام، ورفع ما لم ترفعه العرب وإنما تُعِلّه نحو يرمي ويقضي، وعلى هذا قراءة الحسن هذه في قوله:{ولم يعي بخلقهن}، فقد أجراه مجرى(لم يبع)، فحذف العين لسكونها وسكون الياء الثانية، ووزن{لم يعي}. لم يفل، مثل:(لم يبع)، والعين محذوفة لالتقاء الساكنين"اهـ كلامه بتصرف، ومنه نفهم معنى قول ابن عطية: "وذلك على حذف".