{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ } أي : إذا قالوا قولا كقول من قال منهم { ليخرجن الأعز منها الأذل } والكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد ، في الاستهزاء بالدين ، وبالرسول .
فإذا بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء من ذلك ، جاءوا إليه يحلفون باللّه ما قالوا .
قال تعالى مكذبا لهم { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ } فإسلامهم السابق -وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر -فكلامهم الأخير ينقض إسلامهم ، ويدخلهم بالكفر .
{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } وذلك حين هموا بالفتك برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فقص اللّه عليه نبأهم ، فأمر من يصدهم عن قصدهم .
{ و } الحال أنهم { مَا نَقَمُوا } وعابوا من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم { إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } بعد أن كانوا فقراء معوزين ، وهذا من أعجب الأشياء ، أن يستهينوا بمن كان سببا لإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ومغنيا لهم بعد الفقر ، وهل حقه عليهم إلا أن يعظموه ، ويؤمنوا به ويجلوه ؟ " فاجتمع الداعي الديني وداعي المروءة الإنسانية .
ثم عرض عليهم التوبة فقال : { فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ } لأن التوبة ، أصل لسعادة الدنيا والآخرة .
{ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا } عن التوبة والإنابة { يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } في الدنيا بما ينالهم من الهم والغم والحزن على نصرة اللّه لدينه ، وإعزار نبيه ، وعدم حصولهم على مطلوبهم ، وفي الآخرة ، في عذاب السعير .
{ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولى أمورهم ، ويحصل لهم المطلوب { وَلَا نَصِيرٍ } يدفع عنهم المكروه ، وإذا انقطعوا من ولاية اللّه تعالى ، فَثَمَّ أصناف الشر والخسران ، والشقاء والحرمان .
ثم بين - سبحانه - ما كان عليه المنافقون من كذب وفجور ، ومن خيانة وغدر ، وفتح أمامهم باب التوبة ، وأنذرهم بالعذاب الأليم إذا ما استمروا في نفاقهم فقال - سبحانه - : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ . . . } .
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها : ما رواه ابن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " نزلت هذه الآية : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ } . الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت . أقبل هو ابن امرأته مصعب من قباء . فال الجلاس : إن كان ما يقول محمد حقا لنحن أشر من حمرنا هذه التي نحن عليها ! !
فقال مصعب : أما والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قلت : قال مصعب : فأتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبنى قارعة . . فقلت يا رسول الله : أقبلت أنا والجلاس من قباء . فقال كذا وكذا ، ولولا مخافة أن أخلط بخطيئة أو تصيبنى قارعة ما أخبرتك .
قال مصعب : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجلاس فقال له : أقلت الذي قال مصعب ؟ فحلف الجلاس بأنه ما قال ذلك . فأنزل الله الآية " .
وأخرج ابن اسحاق وابن أبى حاتم عن كعب بن مالك قال : لما نزل القرآن وفيه ذكر المنافقين قال الجلاس بن سويد : والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير . فسمعه عمير بن عسد فقال : والله لا جلاس إنك لأحب الناس إلى . وأحسنهم عندى أثراً . ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ، ولئن سكت عنها هلكت ، ولإِحداهما أشد عن الأخرى .
فمشى عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - الجلاس عما قاله عمير ، فحلف بالله ما قال ذلك ، وزعم أن عميرا كذب عليه فنزلت هذه الآية .
وقال الإِمام أحمد : " حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبى الطفيل . قال : لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أمر مناديه فنادى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ طريق العقبة - وهو مكان مرتفع ضيق - فلا يأخذها أحد .
قال : فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقود ركابه حذيفة ويسوقه عمار ، إذا أقيل رهط ملثمون على الرواحل ، فغشوا عماراً وهو يسوق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة : " قد ، قد " . أى حسبك حسبك . حتى هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجع عمار .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عمار " هل عرفت القوم " ؟ فقال : لقد عرفت عام الرواحل والقوم متلثمون . قال : " هل تدرى ما أرادوا " ؟ قال : الله ورسوله اعلم . قال : " أرادوا أن ينفورا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - راحلته فيطرحوه " " .
هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية وهى تكشف عن كذب المنافقين وغدرهم .
وقوله . سبحانه : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ . . . } استئناف مسوق لبيان جانب مما صدر عنهم من جرائم تستدعى جهادهم والإِغلاظ عليهم .
أى : يحلف هؤلاء المنافقون بالله كذاب وزورا أنهم ما قالوا هذا القول القبيح الذي بلغك عنهم يا محمد .
والحق أنهم قد قالوا " كلمة الكفر " وهى تشمل كل ما نطقوا به من اقوال يقصدون بها إيذاءه - صلى الله عليه وسلم - ، كقولهم : " هو أذن " وقولهم . " لئن كان ما جاء به حقا فنحن أشر من حمرنا . . " وغير ذلك من الكلمات القبيحة التي نطقوا بها .
وأنهم قد { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } أى : أظهروا الكفر بعد إظهاره الإِسلام .
وأنهم قد { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } أى : حاولوا إلحاق الأذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يستطيعوا ذلك ، لأن الله - تعالى - عصمة من شرورهم .
وقوله : { وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } توبيخ لهم على جحودهم وكنودهم ومقابتلهم الحسنة بالسيئة .
ومعنى : نقموا : كرهوا وعابوا وأنكروا ، يقال نقم منه الشئ إذا أنكره ، وكرهه وعابه ، وكذا إذا عاقبه عليه .
أى : وما أنكر هؤلاء المنافون من أمر الإِسلام شيئا ، إلا أنهم بسببه أغناهم الله ورسوله من فضله بالغنائم وغيرها من وجوه الخيرات التي كانوا لا يجدونها قبل حللو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بنيهم .
وهذه الجملة الكريمة جاءت على الأسلوب الذي يسميه علماء البلاغة : تأكيد المدح بما يشه الذم .
قال الجمل : كأنه قال - سبحانه - ليس له - صلى الله عليه وسلم - صفة تكره وتعاب ، سوى أنه ترتب على قدومه إليهم وهجرته عندهم ، إغناء الله إياهم بعد شدة الحاجة ، وهذه ليست صفة ذم - بل هي صفة مدح - فحينذ ليس له صفة تذم أصلا .
وشبيه بهذا الاسلوب قول الشاعر يمدح قوما بالشجاعة والإِقدام
ولا عيب فيم غير أن سيوفهم . . . بهن فلول من قراع الكتاتب
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بترغيبهم وترهيبهم فقال : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً فِي الدنيا والآخرة . . . } .
أى : فإن يتب هؤلاء المنافقون عن نفاقهم وشقاقهم وقبائح أقوالهم وأفعالهم ، يكن المتاب خيرا لهم في دنياهم وآخرتهم . " وإن يتلوا " ويعرضوا علن الحق : ويتسمروا في ضلالهم { يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً فِي الدنيا والآخرة } .
أما عذاب الدنيا فمن مظاهره : حذرهم وخوفهم من أن يطلع المؤمنين على أسرارهم وجبنهم عن مجابهة الحقائق ، وشعورهم بالضعف أمام قوة المسلمين ، وإحساسهم بالعزلة والمقاطعة من جانب المؤمنين ومعاقبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياهم بالعقوبة المناسبة لجرمهم .
وأما عذاب الآخرة ، فهو أشد وأبقى ، بسبب إصرارهم على النفاق ، وإعراضهم عن دعوة الحق .
وقوله : { وَمَا لَهُمْ فِي الأرض مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } تذييل قصد به تيئيسهم من كل معين أو ناصر .
أى : أن هؤلاء المنافقين ليس لهم أحد في الأرض يدفع عنهم عذاب الله ، أو يحميهم من عقابه ، لأن عقابه الله لن يدفعه دافع إلا هو فعليهم أن يثوبوا إلى رشدهم ، وأن يتوبوا إلى ربهم قبل أن يحل بهم عذابه .
( يحلفون باللّه ما قالوا . ولقد قالوا كلمة الكفر ، وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ) . .
والنص في عمومه يستعرض حالة المنافقين في كثير من مواقفهم ، ويشير إلى ما أرادوه مراراً من الشر للرسول - [ ص ] - وللمسلمين . . وهناك روايات تحدد حادثة خاصة لسبب نزول الآية :
قال قتادة : نزلت في عبد اللّه بن أبي . وذلك أنه اقتتل رجلان ، جهني وأنصاري ، فعلا الجهني على الأنصاري ، فقال عبد اللّه للأنصاري : ألا تنصرون أخاكم ? واللّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك . وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي - [ ص ] - فأرسل إليه فسأله ، فجعل يحلف باللّه ما قاله ، فأنزل اللّه فيه هذه الآية .
ويروي الإمام أبو جعفر بن جرير بإسناده عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه - [ ص ] - جالساً تحت ظل شجرة ، فقال : " إنه سيأتيكم إنسان ، فينظر إليكم بعين الشيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه " . فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول اللّه - [ ص ] - فقال : " علام تشتمني أنت وأصحابك ? " فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا باللّه ما قالوا ، حتى تجاوز عنهم ، فأنزل اللّه عز وجل : يحلفون باللّه ما قالوا . . . الآية .
وروي عن عروة بن الزبير وغيره ما مؤداه : أنها نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت . كان له ربيب من امرأته اسمه عمير بن سعد ، فقال الجلاس : إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن أشر من حمرنا هذه التي نحن عليها . فقال عمير : واللّه يا جلاس : إنك لأحب الناس إلي ، وأحسنهم عندي بلاء ، وأعزهم على أن يصله شيء يكره ؛ ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحني ، ولئن كتمتها لتهلكني ، ولإحداهما أهون عَلّي من الأخرى . فأخبر بها رسول اللّه - [ ص ] - فأنكرها وحلف باللّه ما قالها ، فأنزل اللّه الآيات . فقال الرجل قد قلته ، وقد عرض اللّه عليّ التوبة ، فأنا أتوب ، فقبل منه ذلك . .
ولكن هذه الروايات لا تنسجم مع عبارة : ( وهموا بما لم ينالوا )وهذه تضافر الروايات على أن المعنيّ بها ما أراده جماعة من المنافقين في أثناء العودة من الغزوة ، من قتل رسول اللّه - [ ص ] - غيلة وهو عائد من تبوك . فنختار إحداها :
قال الإمام أحمد - رحمه اللّه - حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد اللّه بن جميع عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول اللّه - [ ص ] - من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى : إن رسول اللّه - [ ص ] - أخذ العقبة ، فلا يأخذها أحد . فبينما رسول اللّه - [ ص ] - يقوده حذيفة ويسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل ، فغشوا عماراً وهو يسوق برسول اللّه - [ ص ] - فأقبل عمار - رضي اللّه عنه - يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول اللّه - [ ص ] - لحذيفة " قد . قد " حتى هبط رسول اللّه - [ ص ] - ، ورجع عمار . فقال يا عمار : " هل عرفت القوم ? " فقال : لقد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون . قال : " هل تدري ما أرادوا ? " قال : اللّه ورسوله أعلم . قال : " أرادوا أن ينفروا برسول اللّه - [ ص ] - راحلته فيطرحوه " قال : فسأل عمار رجلا من أصحاب رسول الله [ ص ] فقال : نشدتك باللّه ، كم تعلم كان أصحاب العقبة ? قال : أربعة عشر رجلاً . فقال : إن كنت منهم فقد كانوا خمسة عشر . قال : فعد رسول اللّه - [ ص ] - منهم ثلاثة قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله [ ص ] وما علمنا ما أراد القوم . فقال عمار : أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب للّه ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
هذه الحادثة تكشف عن دخيلة القوم . وسواء كانت هي أو شيء مثلها هو الذي تعنيه الآية ، فإنه ليبدو عجيبا أن تنطوي صدور القوم على مثل هذه الخيانة . والنص يعجب هنا منهم :
( وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله ) . .
فما من سيئة قدمها الإسلام لهم ينقمون عليه هذه النقمة من أجلها . . اللهم إلا أن يكون الغنى الذي غمرهم بعد الإسلام ، والرخاء الذي أصابهم بسببه هو ما ينقمون !
ثم يعقب على هذا التعجيب من أمرهم ، بعد كشف خبيئاتهم بالحكم الفاصل :
( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ، وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ) . .
بعد هذا كله يظل باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه . فمن شاء لنفسه الخير فليدلف إلى الباب المفتوح . ومن أراد أن يمضي في طريقه الأعوج ، فالعاقبة كذلك معروفة : العذاب الأليم في الدنيا والآخرة . وانعدام الناصر والمعين في هذه الأرض . . ولمن شاء أن يختار ، وهو وحده الملوم :
( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ، وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوَاْ إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لّهُمْ وَإِن يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } .
اختلف أهل التأويل في الذي نزلت فيه هذه الآية ، والقول الذي كان قاله ، الذي أخبر الله عنه أنه يخلف بالله ما قاله . فقال بعضهم : الذي نزلت فيه هذه الآية : الجُلاس بن سويد بن الصامت .
حدثنا به ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ قال : نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ، قال : إن كان ما جاء به محمد حقّا ، لنحن أشرّ من الحمير فقال له ابن امرأته : والله يا عدوّ الله ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت ، فإني إن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤاخذ بخطيئتك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس ، فقال : «يا جلاس أقلت كذا وكذا ؟ » فحلف ما قال ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : نزلت هذه الآية : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ في الجلاس بن سويد بن الصامت ، أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء ، فقال الجلاس : إن كان ما جاء به محمد حقّا ، لنحن أشرّ من حميرنا هذه التي نحن عليها فقال مصعب : أما والله يا عدوّ الله لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أخلط ، قلت : يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء ، فقال كذا وكذا ، ولولا مخافة أن أؤاخذ بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك قال : فدعا الجلاس ، فقال له : «يا جلاسُ أقُلْت الّذِي قالَ مُصْعَبُ ؟ » قال : فحلف ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ . . . الآية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي قال تلك المقالة فيما بلغني الجلاس بن سويد بن الصامت ، فرفعها عنه رجل كان في حجره يقال له عمير بن سعيد ، فأنكر ، فحلف بالله ما قالها فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كَلِمَةَ الكُفْرِ قال أحدهم : لئن كان ما يقول محمد حقّا لنحن شرّ من الحمير فقال له رجل من المؤمنين : إن ما قال لحقّ ولأنت شرّ من حمار قال : فهمّ المنافقون بقتله ، فذلك قوله : وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظلّ شجرة ، فقال : «إنّهُ سَيَأْتِيكُمْ إنْسانٌ فَيَنْظُرُ إلَيْكُمْ بِعَيْنَي شَيْطَانٍ ، فإذا جاءَ فَلا تُكَلّمُوهُ فلم يلبث أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «عَلاَمَ تَشْتُمُني أنْتَ وأصْحَابُكَ ؟ » فانطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنهم ، فأنزل الله : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا ثم نعتهم جميعا ، إلى آخر الآية .
وقال آخرون : بل نزلت في عبد الله بن أُبيّ ابن سلولَ ، قالوا : والكلمة التي قالها ما :
حدثنا به بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا . . . إلى قوله : مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ قال : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، أحدهما من جهينة والاَخر من غفار ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار . وظهر الغفاريّ على الجهني ، فقال عبد الله بن أبيّ للأوس : انصروا أخاكم ، فوالله ما مَثَلُنا ومَثَلُ محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك وقال : لَئِنْ رَجعْنَا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل إليه فسأله ، فجعل يحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ قال : نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها . وجائز أن يكون ذلك القول ما رُوي عن عروة أن الجلاس قاله ، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي ابن سلول . والقول ما ذكره قتادة عنه أنه قال ولا علم لنا بأن ذلك من أيّ ، إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ويتوصل به إلى يقين العلم به ، وليس مما يُدرك علمه بفطرة العقل ، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جلّ ثناؤه : يَحْلِفُونَ باللّهِ ما قَالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ .
وأما قوله : وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا فإن أهل التأويل اختلفوا في الذي كان همّ بذلك وما الشيء الذي كان همّ به . فقال بعضهم : هو رجل من المنافقين ، وكان الذي همّ به قَتْلَ ابن امرأته الذي سمع منه ما قال وخشي أن يفشيه عليه . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : همّ المنافق بقتله ، يعني قتل المؤمن الذي قال له أنت شرّ من الحمار . فذلك قوله : وهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد به
وقال آخرون : كان الذي همّ رجلاً من قريش ، والذي همّ به قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا شبل ، عن جابر ، عن مجاهد ، في قوله : وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا قال : رجل من قريش همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الأسود .
وقال آخرون : الذي همّ عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ ، وكان همه الذي لم ينله قوله : لَئِنْ رَجعْنَا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ .
وقوله : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ذكر لنا أن المنافق الذي ذكر الله عنه أنه قال كلمة الكفر كان فقيرا ، فأغناه الله بأن قتل له مولى ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته . فلما قال ما قال ، قال الله تعالى : ومَا نَقَمُوا يقول : ما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ وكان الجلاس قتل له مولى له ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته ، فاستغنى ، فذلك قوله : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .
قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا في لبني عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر مولى لبني عديّ بن كعب ، وفيه أنزلت هذه الآية : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ومَا نَقَمُوا إلاّ أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال : كانت لعبد الله بن أبي دية ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم له .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سمعت عكرمة : أن مولى لبني عديّ بن كعب قتل رجلاً من الأنصار ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا ، وفيه أنزلت : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال عمرو : لم أسمع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من عكرمة ، يعني الدية اثني عشر ألفا .
حدثنا صالح بن مسمار ، قال : حدثنا محمد بن سنان العوفي ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفا ، فذلك قوله : ومَا نَقَمُوا إلا أنْ أغْناهُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ قال : بأخذ الدية .
وأما قوله : فإنْ يَتُوبُوا يَكَ خَيْرا لَهُمْ يقول تعالى ذكره : فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه ، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرا لهم من النفاق . وإنْ يَتَوَلّوْا يقول : وإن يدبروا عن التوبة فيأبوها ، ويصرّوا على كفرهم يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابا ألِيما يقول : يعذّبهم عذابا موجعا في الدنيا ، إما بالقتل ، وإما بعاجل خزي لهم فيها ، ويعذّبهم في الاَخرة بالنار .
وقوله : ومَا لَهُمْ فِي الأرْضِ من وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ يقول : وما لهؤلاء المنافقين إن عذّبهم الله في عاجل الدنيا ، من وليّ يواليه على منعه من عقاب الله ، ولا نصير ينصره من الله ، فينقذه من عقابه وقد كانوا أهل عزّ ومنعة بعشائرهم وقومهم يمتنعون بهم ممن أرادهم بسوء ، فأخبر جلّ ثناؤه أن الذين كانوا يمنعونهم ممن أرادهم بسوء من عشائرهم وحلفائهم ، لا يمنعونهم من الله ولا ينصرونهم منه إذ احتاجوا إلى نصرهم . وذُكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية تاب مما كان عليه من النفاق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : فإنْ يَتُوبُوا يكُ خَيْرا لَهُمْ قال : قال الجلاس : قد استثنى الله لي التوبة ، فأنا أتوب فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : فإنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرا لَهُمْ . . . الآية ، فقال الجلاس : يا رسول الله إني أرى الله قد استثنى لي التوبة ، فأنا أتوب فتاب ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .
وقوله { يحلفون بالله ما قالوا } الآية ، هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ، وذلك كأنه كان يأتي من قباء ومعه ابن امرأته عمير بن سعد فيما قال ابن إسحاق ، وقال عروة اسمه مصعب ، وقال غيره وهما على حمارين .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى قوماً ممن اتهمهم بالنفاق ، وقال إنهم رجس ، فقال الجلاس للذي كان يسير معه : والله ما هؤلاء الذين سمى محمد إلا كبراؤنا وسادتنا ، ولئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من حمرنا هذه فقال له ربيبة أو الرجل الآخر ؟ والله إنه لحق ، وإنك لشر من حمارك ، ثم خشي الرجل من أن يلحقه في دينه درك ، فخرج وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في الجلاس فقرره فحلف بالله ما قال ، فنزلت هذه الآية{[5790]} ، والإشارة ب { كلمة الكفر } إلى قوله : إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شر من الحمر ، إن التكذيب في قوة هذا الكلام ، قال مجاهد وكان الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك هم بقتله ، ثم لم يفعل عجزاً عن ذلك فإلى هذا هي الإشارة بقوله { وهموا بما لم ينالوا } ، وقال قتادة بن دعامة : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول ، وذلك أن سنان بن وبرة الأنصاري والجهجاه الغفاري كسع أحدهما رجل الآخر في غزوة المريسيع ، فثاروا ، فصاح جهجاه بالأنصار وصاح سنان بالمهاجرين ، فثار الناس فهدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : ما أرى هؤلاء إلا قد تداعوا علينا ، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفه فحلف أنه لم يقل ذلك ، فنزلت الآية مكذبة له{[5791]} ، والإشارة ب { كلمة الكفر } إلى تمثيله : سمن كلبك يأكلك ، قال قتادة والإشارة ب { هموا } إلى قوله لئن رجعنا إلى المدينة ، وقال الحسن هم المنافقون من إظهار الشرك ومكابرة النبي صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا ، وقال تعالى : { بعد إسلامهم } ولم يقل بعد إيمانهم لأن ذلك لم يتجاوز ألسنتهم ، وقوله تعالى : { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله } ، معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ لعبد الله بن أبي ابن سلول دية كانت قد تعطلت له ، ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفاً ، وقيل بل كانت للجلاس .
قال القاضي أبو محمد : وهذا بحسب الخلاف المتقدم فيمن نزلت الآية من أولها ، وتقدم اختلاف القراء في { نقموا } في سورة الأعراف ، وقرأها أبو حيوة وابن أبي عبلة بكسر القاف ، وهي لغة ، وقوله { إلا أن أغناهم الله } استثناء من غير الأول كما قال النابغة :
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم*** بهن فلول من قراع الكتائب{[5792]}
فكأن الكلام وما نقموا إلا ما حقه أن يشكر ، وقال مجاهد في قوله { وهموا بما لم ينالوا } إنها نزلت في قوم من قريش أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يناسب الآية ، وقالت فرقة إن الجلاس هو الذي هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يشبه الآية إلا أنه غير قوي السند ، وحكى الزجّاج أن اثني عشر من المنافقين هموا بذلك فأطلع الله عليهم ، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في إغنائهم من حيث كثرت أموالهم من الغنائم ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سبب في ذلك وعلى هذا الحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار «كنتم عالة فأغناكم الله بي »{[5793]} ، ثم فتح عز وجل لهم باب التوبة رفقاً بهم ولطفاً في قوله { فإن يتوبوا يك خيراً لهم } .
وروي أن الجلاس تاب من النفاق فقال : إن الله قد ترك لي باب التوبة فاعترف وأخلص ، وحسنت توبته ، و «العذاب الأليم » اللاحق بهم في الدنيا هو المقت والخوف والهجنة عند المؤمنين .