ف { قَالَ } الله له : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذين وعدتك بإنجائهم { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } أي : هذا الدعاء الذي دعوت{[430]} به ، لنجاة كافر ، لا يؤمن بالله ولا رسوله .
{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي : ما لا تعلم عاقبته ، ومآله ، وهل يكون خيرا ، أو غير خير .
{ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } أي : أني أعظك وعظا تكون به من الكاملين ، وتنجو به من صفات الجاهلين .
وقوله - سبحانه - { قَالَ يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ . . } رد من الله - تعالى - على نوح فيما طلبه منه .
أى : قال الله - تعالى - مجيبا لنوح - عليه السلام - فيما أسأله إياه : يا نوح إن ابنك هذا { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } لأن مدار الأهلية مبنى على القرابة الدينية ، وقد انقطعت بالكفر فلا علاقة بين مسلم وكافر .
أو ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم ، بل هو ممن سبق عليه القول بسبب كفره .
فالمراد نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده ، وليس المراد نفى أن يكون من صلبه ، لأن ظاهر الآية يدل على أنه ابنه من صلبه ، ومن قال بغير ذلك فقوله ساقط ولا يلتفت إليه ، لخلوه عن الدليل .
قال ابن كثير : وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب فى تفسير هذا إلا أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زنية .
وقال ابن عباس وغير واحد من السلف : ما زنت امرأة نبى قط ، ثم قال : وقوله { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أى : الذين وعدتك بنجاتهم .
وقول ابن عباس فى هذا هو الحق الذى لا محيد عنه ؛ فإن الله - تعالى - أغير من أن يمكن امرأة نبى من الفاحشة .
وجملة { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } تعليل لنفى الأهلية .
وقد قرأ الجمهور ( عمل ) بفتح الميم وتنوين اللام - على أنه مصدر مبالغة فى ذمة حتى لكأنه هو نفس العمل غير الصالح وأصل الكلام إنه ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف للمبالغة بجعله عين عمله الفاسد لمداومته عليه .
وقرأ الكسائي ويعقوب { عمل } بوزن فرح بصيغة الفعل الماضى - أى : إنه عمل غير صالح وهو الكفر والعصيان ، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه .
قال صاحب الكشاف وقوله : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } تعليل لانتفاء كونه من أهله وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب ، وأن نسيبك فى دينك ومعتقدك من الأباعد فى المنصب وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيفك وخصيصك ، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك .
وقال الفخر الرازى : هذه الآية يدل على أن العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب ، فإن فى هذه الصورة كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه ، ولكن لما انتفت قرابة الدين ، لا جرم نفاه الله - تعالى - بأبلغ الألفاظ وهو : قوله : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } .
والفاء فى قوله : { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ . . } للتفريع .
أى : ما دمت قد وقفت على حقيقة الحال ، فلا تلتمس منى ملتمسا لا تعلم على وجه اليقين ، أصواب هو أم غير صواب ، بل عليك أن تثبت من صحة ما تطلبه ، قبل أن تقدم على طلبه .
وجملة { إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين } تأكيد لما قبلها ، ونهى له عن مثل هذا السؤال فى المستقبل ، بعد أن أعلمه بحقيقة حال ابنه .
أى : إن أنهاك يا نوح عن أن تكون من القوم الجاهلين ، الذين يسألون عن أشياء لا يتحققون وجه الصواب فيها .
وجاءه الرد بالحقيقة التي غفل عنها . فالأهل - عند الله وفي دينه وميزانه - ليسوا قرابة الدم ، إنما هم قرابة العقيدة . وهذا الولد لم يكن مؤمنا ، فليس إذن من أهله وهو النبي المؤمن . . جاءه الرد هكذا في قوة وتقرير وتوكيد ؛ وفيما يشبه التقريع والتأنيب والتهديد :
( قال : يا نوح إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح ، فلا تسألن ما ليس لك به علم . إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) . .
إنها الحقيقة الكبيرة في هذا الدين . حقيقة العروة التي ترجع إليها الخيوط جميعا . عروة العقيدة التي تربط بين الفرد والفرد مالا يربطه النسب والقرابة :
( إنه ليس من أهلك . إنه عمل غير صالح ) . .
فهو منبت منك وأنت منبت منه ، ولو كان ابنك من صلبك ، فالعروة الأولى مقطوعة ، فلا رابطة بعد ذلك ولا وشيجة .
ولأن نوحا دعا دعاء من يستنجز وعدا لا يراه قد تحقق . . كان الرد عليه يحمل رائحة التأنيب والتهديد :
( فلا تسألن ما ليس لك به علم . إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) . .
إني أعظك خشية أن تكون من الجاهلين بحقيقة الوشائج والروابط ، أو حقيقة وعد الله وتأويله ، فوعد الله قد أول وتحقق ، ونجا أهلك الذين هم أهلك على التحقيق .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ يَنُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّيَ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } .
يقول الله تعالى ذكره : قال الله يا نوح إن الذي غرّقته فأهلكته الذي تذكر أنه من أهلك ليس من أهلك .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ فقال بعضهم : معناه : ليس من ولدك هو من غيرك . وقالوا : كان ذلك من حِنْث . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : لم يكن ابنه .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن أبي جعفر : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : ابن امرأته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أصحاب ابن أبي عَروبة فيهم الحسن ، قال : لا والله ما هو بابنه .
قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : هذه بلغة طيّ لم يكن ابنه ، كان ابن امرأته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، ومنصور ، عن الحسن في قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : لم يكن ابنه . وكان يقرؤها : «إنّهُ عَمِلَ غيرَ صَالِحٍ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كنت عند الحسن فقال : نادي نوح ابنه : لعمر الله ما هو ابنه قال : قلت يا أبا سعيد يقول : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول : ليس بابنه ؟ قال : أفرأيت قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ ؟ قال : قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهَم معك ، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه . قال : إن أهل الكتاب يَكْذِبون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سمعت الحسن يقرأ هذه الآية : «إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ إنّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ » فقال عند ذلك : والله ما كان ابنه ثم قرأ هذه الآية : فخانَتاهُما قال سعيد : فذكرت ذلك لقتال ، قال : ما كان ينبغي له أن يحلف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلا تَسأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال : تبين لنوح أنه ليس بابنه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلا تَسأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال : بين الله لنوح أنه ليس بابنه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال ابن جريج في قوله : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : ناداه وهو يحسبه أنه ابنه وكان وُلِد على فراشه .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثور ، عن أبي جعفر : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : لو كان من أهله لنجا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، وسمع عبيد بن عمير يقول : نرى أن ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم«الوَلَدُ للْفِرَاشِ » ، من أجل ابن نوح .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن الحسن ، قال : لا والله ما هو بابنه .
وقال آخرون : معنى ذلك : لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ الذين وعدتك أن أُنجيهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي عامر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : هو ابنه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن الضحاك ، قال : قال ابن عباس : هو ابنه ، ما بغت امرأة نبيّ قطّ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن أبي عامر الهمدانيّ ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ، قال : ما بغت امرأة نبيّ قطّ ، قال : وقوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ الذين وعدتك أن أنجيهَم معك .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : هو ابنه ، غيرَ أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة في بعض الحروف : إنه عمل عملاً غير صالح ، والخيانة تكون على غير باب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان عكرمة يقول : كان ابنه ، ولكن كان مخالفا له في النية والعمل ، فمن ثم قيل له : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قَتّة ، قال : سمعت ابن عباس يُسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى : فخانَتاهُمَا قال : أَمَا إنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدلّ على الأضياف . ثم قرأ : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ .
قال ابن عيينة : وأخبرني عمار الدّهْنِيّ أنه سأل سعيد بن جبير ، عن ذلك فقال : كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب . قال : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : وقال بعض العلماء : ما فجرت امرأة نبيَ قط .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال الله وهو الصادق ، وهو ابنه : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سعيد ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ، قال : ما بغت امرأة نبيّ قطّ .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : سألت أبا بشر ، عن قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : ليس من أهل دينك ، وليس ممن وعدتك أن أنجيهَم . قال يعقوب : قال هشيم : كان عامة ما كان يحدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن يعقوب بن قيس ، قال : أتى سعيدَ بن جبير رجل فقال : يا أبا عبد الله ، الذي ذكر الله في كتابه ابن نوح أبنه هو ؟ قال : نعم ، والله إن نبيّ الله أمره أن يركب معه في السفينة فعصى ، فقال : سآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قالَ يا نُوحُ إنّهُ لَيسَ مِنْ أهْلِكَ إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ لمعصية نبيّ الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البَجَلِي ، عن سعيد بن جبير أنه جاء إليه رجل فسأله فقال : أرأيتك ابن نوح : أبنه ؟ فسبح طويلاً ثم قال : لا إله إلا الله ، يحدّث الله محمدا : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول ليس منه ولكن خالفه في العمل ، فليس منه من لم يؤمن .
حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي هارون الغَنَوي ، عن عكرمة ، في قوله : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال : أشهد أنه ابنه ، قال الله : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة قالا : هو ابنه .
حدثني فَضَالة بن الفضل الكوفي ، قال : قال بَزِيع : سأل رجل الضحاك عن ابن نوح فقال : ألا تعجبون إلى هذا الأحمق يسألني عن ابن نوح ؟ وهو ابن نوح ، كما قال الله : قال نوح لابنه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ . وقوله : لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : يقول : ليس هو من أهلك . قال : يقول : ليس هو من أهل ولايتك ، ولا ممن وعدتك أن أنجيَ من أهلك . إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ قال : يقول : كان عمله في شرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : هو والله ابنه لصلبه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال : ليس من أهل دينك ، ولا ممن وعدتك أن أنجيه ، وكان ابنه لصلبه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قالَ يا نُوحُ إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ يقول : ليس ممن وعدناه النجاة .
حُدثت عن الحسينِ بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ يقول : ليس من أهل ولايتك ، ولا ممن وعدتك أن أنجيَ من أهلك . إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ يقول : كان عمله في شرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا خالد بن حيان ، عن جعفر بن بِرْقان ، عن ميمون ، وثابت بن الحجاج قالا : هو ابنه وُلد على فراشه .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : تأويل ذلك : إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجَيهم ، لأنه كان لدينك مخالفا وبي كافرا . وكان ابنه لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه ، فقال : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر . وليس في قوله : إنّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ دلالة على أنه ليس بابنه ، إذ كان قوله : لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ محتملاً من المعنى ما ذكرنا ، ومحتملاً أنه ليس من أهل دينك ، ثم يحذف «الدين » فيقال : إنه ليس من أهلك ، كما قيل : وَاسأَلِ القَرْيَةَ التي كُنّا فِيها .
وأما قوله : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ فإن القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ بتنوين عمل ورفع غير .
واختلف الذي قرءوا ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : إن مسألتك إياي هذه عملٌ غيرُ صالح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ قال : إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ أي سوء فَلا تَسأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ يقول : سؤالك عما ليس لك به علم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن حمزة الزيات ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قوله : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ قال : سؤالك إياي عمل غير صالح فَلا تَسأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
وقال آخرون : بل معناه : إن الذي ذكرت أنه ابنك فسألتني أن أنجيَه عمل غير صالح ، أي أنه لغير رِشْدة . وقالوا : الهاء في قوله : «إنّهُ » عائدة على الابن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ابن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن أنه قرأ : عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ قال : ما هو والله بابنه .
ورُوي عن جماعة من السلف أنهم قرأوا ذلك : «إنّهُ عَمِلَ غيرَ صَالِحٍ » على وجه الخبر عن الفعل الماضي ، وغير منصوبة . وممن رُوي عنه أنه قرأ ذلك كذلك ابن عباس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قَتّة ، عن ابن عباس أنه قرأ : «عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ » .
حدثنا به ابن وكيع ، قال : حدثنا غُنْدر ، عن ابن أبي عَروبة عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِحٍ قال : كان مخالفا له في النية والعمل .
ولا نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قراء الأمصار إلا بعض المتأخرين . واعتل في ذلك بخبر رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك غير صحيح السند ، وذلك حديث رُوي عن شَهْر بن حَوْشَب ، فمرة يقول عن أمّ سلمة ، ومرّ يقول عن أسماء بنت يزيد ، ولا نعلم لبنت يزيد ولا نعلم لشَهْرٍ سماعا يصحّ عن أمّ سلمة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك رفع «عمل » بالتنوين ، ورفع «غير » ، يعني : إن سؤالك إياي ما تسألنيه في ابنك المخالف دينك الموالي أهل الشرك بي من النجاة من الهلاك ، وقد مضت إجابتي إياك في دعائك : لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا ما قد مضى من غير استثناء أحد منهم عملٌ غير صالح ، لأنه مسألة منك إليّ أن لا أفعل ما قد تقدم مني القول بأني أفعله في إجابتي مسألتك إياي فعله ، فذلك هو العمل غير الصالح . وقوله : فَلا تَسأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ نهي من الله تعالى ذَكّره نبيه نوحا أن يسأله عن أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر . يقول له تعالى ذكره : إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهكلته ، فلا تسألن بعدها عما قد طَوَيت علمه عنك من أسباب أفعالي ، وليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين في مسألتك إياي عن ذلك .
وكان ابن زيد يقول في قوله : إنّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ من الجاهِلِينَ ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ أن تبلغ الجهالة بك أن لا أَفِيَ لك بوعد وعدتك حتى تسألني ما ليس لك به علم وَإلاّ تَغْفِرْ لي وَتَرْحَمِني أكُنْ مِنَ الخاسِرِينَ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَسألَنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ علْمٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار فَلا تَسألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِه علْمٌ بكسر النون وتخفيفها ، ونَحَوْا بكسرها إلى الدلالة على الياء التي هي كناية اسم الله فَلا تَسألْنِ . وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض أهل الشام : «فَلا تَسألَنّ » بتشديد النون وفتحها ، بمعنى : فلا تسألنّ يا نوح ما ليس لك به علم .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا تخفيف النون وكسرها ، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب المستعمل بينهم .