ثم ذكر صفة ظلمهم فقال : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } أي : ألجئوا إلى الخروج بالأذية والفتنة { بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا } أن ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤهم { أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } أي : إلا أنهم وحدوا الله ، وعبدوه مخلصين له الدين ، فإن كان هذا ذنبا ، فهو ذنبهم كقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وهذا يدل على حكمة الجهاد ، وأن المقصود منه إقامة دين الله ، وذب الكفار المؤذين للمؤمنين ، البادئين لهم بالاعتداء ، عن ظلمهم واعتدائهم ، والتمكن من عبادة الله ، وإقامة الشرائع الظاهرة ، ولهذا قال : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } فيدفع الله بالمجاهدين في سبيله ضرر الكافرين ، { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ } أي : لهدمت هذه المعابد الكبار ، لطوائف أهل الكتاب ، معابد اليهود والنصارى ، والمساجد للمسلمين ، { يُذْكَرَ فِيهَا } أي : في هذه المعابد { اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } تقام فيها الصلوات ، وتتلى فيها كتب الله ، ويذكر فيها اسم الله بأنواع الذكر ، فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لاستولى الكفار على المسلمين ، فخربوا معابدهم ، وفتنوهم عن دينهم ، فدل هذا ، أن الجهاد مشروع ، لأجل دفع الصائل والمؤذي ، ومقصود لغيره ، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله ، وعمرت مساجدها ، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها ، من فضائل المجاهدين وببركتهم ، دفع الله عنها الكافرين ، قال الله تعالى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }
فإن قلت : نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب ، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة ، وحكومة غير منظمة ، مع أنهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج ، بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم عامرة ، وأهلها آمنون مطمئنون ، مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها ، والله أخبر أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لهدمت هذه المعابد ، ونحن لا نشاهد دفعا .
أجيب بأن هذا السؤال والاستشكال ، داخل في عموم هذه الآية وفرد من أفرادها ، فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها ، وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت ولايتها ، وداخل في حكمها ، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة ، وجزء من أجزاء الحكومة ، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها ، أو مالها ، أو عملها ، أو خدمتها ، فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب ، الدينية والدنيوية ، وتخشى إن لم تفعل ذلك أن يختل نظامها ، وتفقد بعض أركانها ، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم ، خصوصا المساجد ، فإنها -ولله الحمد- في غاية الانتظام ، حتى في عواصم الدول الكبار .
وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة ، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين ، مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى ، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة ، فتبقى الحكومة المسلمة ، التي لا تقدر تدافع عن نفسها ، سالمة من [ كثير ]{[538]} ضررهم ، لقيام الحسد عندهم ، فلا يقدر أحدهم أن يمد يده عليها ، خوفا من احتمائها بالآخر ، مع أن الله تعالى لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين ، ما قد وعد به في كتابه .
وقد ظهرت -ولله الحمد- أسبابه [ بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل ]{[539]} فنحمده ونسأله أن يتم نعمته ، ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } أي : يقوم بنصر دينه ، مخلصا له في ذلك ، يقاتل في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا .
{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : كامل القوة ، عزيز لا يرام ، قد قهر الخلائق ، وأخذ بنواصيهم ، فأبشروا ، يا معشر المسلمين ، فإنكم وإن ضعف عددكم وعددكم ، وقوي عدد عدوكم وعدتهم{[540]} فإن ركنكم القوي العزيز ، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون ، فاعملوا بالأسباب المأمور بها ، ثم اطلبوا منه نصركم ، فلا بد أن ينصركم .
وقوله - سبحانه - : { الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله . . . } بيان لبعض الأسباب التى من أجلها شرع الله الجهاد فى سبيله .
أى : إن الله - تعالى - لقدير على نصر المؤمنين الذين أخرجهم الكافرون من ديارهم بغير حق ، وبغير أى سبب من الأسباب ، سوى أنهم كانوا يقولون ربنا الله - تعالى - وحده ، ولن نعبد من دونه إلها آخر .
أى : ليس هناك ما يوجب إخراجهم - فى زعم المشركين - سوى قولهم ربنا الله .
ثم حرض - سبحانه - المؤمنين على القتال فى سبيله ، بأن بين لهم أن هذا القتال يقتضيه نظام هذا العالم وصلاحه ، فقال - تعالى - : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً } .
والمراد بالدفع : إذن الله المؤمنين فى قتال المشركين . والمراد بقوله : { بَعْضَهُمْ } الكافرون . وبقوله : { بِبَعْضٍ } المؤمنون .
والصوامع : جمع صومعة ، وهى بناء مرتفع يتخذه الرهبان معابد لهم .
والبيع : جمع بيعة - بكسر الباء - وهى كنائس النصارى التى لا تختص بالرهبان .
والصلوات : أماكن العبادة لليهود .
أى : ولولا أن الله - تعالى - أباح للمؤمنين قتال المشركين ، لعاث المشركون فى الأرض فسادا ، ولهدموا فى زمن موسى وعيسى أماكن العبادة الخاصة بأتباعهما ، ولهدموا فى زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المساجد التى تقام فيها الصلاة .
قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ . . . } أى : ولولا ما شرعه الله - تعالى - للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك . وعطلوا ما بناه أهل الديانات من مواضع العبادات ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة . فالجهاد أمر متقدم فى الأمم . وبه صلحت الشرائع ، واجتمعت المتعبدات ، فكأنه قال : أذن فى القتال فليقاتل المؤمنون . ثم قوى هذا الأمر فى القتال بقوله : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس . . . } الآية أى : لولا الجهاد والقتال لتغلب أهل الباطل على أهل الحق فى كل أمة . . .
فالآية الكريمة تفيد أن الله - تعالى - قد شرع القتال لإعلاء الحق وإزهاق الباطل ، ولولا ذلك لاختل هذا العالم ، وانتشر فيه الفساد .
والتعبير بقوله - تعالى - : { لَّهُدِّمَتْ } بالتشديد للإشعار بأن عدم مشروعية القتال ، يؤدى إلى فساد ذريع ، وإلى تحطيم شديد لأماكن العبادة والطاعة لله - عز وجل - .
وقدم الصوامع والبيع والصلوات على المساجد ، باعتبار أنها أقدم منها فى الوجود ، أو للانتقال من الشريف إلى الأشرف .
ثم ساق - سبحانه - بأسلوب مؤكد سنة من سننه التى لا تتخلف فقال : { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
أى : والله لينصرن - سبحانه - من ينصر دينه وأولياءه ، لأنه - تعالى - هو القوى على كل فعل يريده ، العزيز الذى لا يغالبه مغالب ، ولا ينازعه منازع .
وقد أنجز - سبحانه - وعده وسنته ، فسلط عباده المؤمنين من المهاجرين والأنصار ، على أعدائه ، فأذلوا الشرك والمشركين وحطموا دولتى الأكاسرة والقياصرة ، وأورثهم أرضهم وديارهم .
وأن لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة ، لا يعود خيرها عليهم وحدهم ، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلها ؛ وفيها ضمان لحرية العقيدة وحرية العبادة . وذلك فوق أنهم مظلومون أخرجوا من ديارهم بغير حق : ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله ) . . وهي أصدق كلمة أن تقال ، وأحق كلمة بأن تقال . ومن أجل هذه الكلمة وحدها كان إخراجهم . فهو البغي المطلق الذي لا يستند إلى شبهة من ناحية المعتدين . وهو التجرد من كل هدف شخصي من ناحية المعتدى عليهم ، إنما هي العقيدة وحدها من أجلها يخرجون ، لا الصراع على عرض من أعراض هذه الأرض ، التي تشتجر فيها الأطماع ؛ وتتعارض فيها المصالح ؛ وتختلف فيها الاتجاهات وتتضارب فيها المنافع !
ووراء هذا كله تلك القاعدة العامة . . حاجة العقيدة إلى الدفع عنها : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) . .
والصوامع أماكن العبادة المنعزلة للرهبان ، والبيع للنصارى عامة وهي أوسع من الصوامع ، والصلوات أماكن العبادة لليهود . والمساجد أماكن العبادة للمسلمين .
وهي كلها معرضة للهدم - على قداستها وتخصيصها لعبادة الله - لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها ، ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض . أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها ، ويعتدون على أهلها . فالباطل متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول . ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه ، بل لا بد من القوة تحميه وتدفع عنه . وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان !
ولا بد من وقفة أمام هذه النصوص القليلة الكلمات العميقة الدلالة ، وما وراءها من أسرار في عالم النفس وعالم الحياة .
إن الله يبدأ الإذن بالقتال للذين قاتلهم المشركون ، واعتدى عليهم المبطلون ، بأن الله يدافع عن الذين آمنوا ، وأنه يكره المعتدين عليهم من الكفار الخائنين :
( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ) . .
فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم . ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتما من عدوه ، ظاهر حتما على عدوه . . ففيم إذن يأذن لهم بالقتال ? وفيم إذن يكتب عليهم الجهاد ? وفيم إذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح ، والجهد والمشقة ، والتضحية والآلام . . . والعاقبة معروفة ، والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة ، ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ?
والجواب أن حكمة الله في هذا هي العليا ، وأن لله الحجة البالغة . . والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من " التنابلة " الكسالى ، الذين يجلسون في استرخاء ، ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء ، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء ، كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء !
نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة ، وأن يرتلوا القرآن ، وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء . ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ؛ إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة . والذخيرة التي يدخرونها للموقعة ، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله .
لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة . فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر ؛ وهي تدفع وتدافع ، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة . . عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها مناستعداد لتؤدي دورها ؛ ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة ؛ ولتؤتي أقصى ما تملكه ، وتبذل آخر ما تنطوي عليه ؛ وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال .
والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها ، واحتشاد كل قواها ، وتوفز كل استعدادها ، وتجمع كل طاقاتها ، كي يتم نموها ، ويكمل نضجها ، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها .
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء ، والذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين ، يعطل تلك الطاقات عن الظهور ، لأنه لا يحفزها ولا يدعوها .
وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه . أولا لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه تضحيات عزيزة . وثانيا لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تحشد طاقاتهم وتشحد لكسبه . فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه .
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة ، والكر والفر ، والقوة والضعف والتقدم والتقهقر . ومن المشاعر المصاحبة لها . . من الأمل والألم . ومن الفرح والغم ، ومن الاطمئنان والقلق . ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة . . ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة ، وتدبير الأمور في جميع الحالات . . وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس .
من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله . . جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ؛ ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء .
والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله . فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله .
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ، ولم يتم بعد تمامها ، ولم تحشد بعد طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا !
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقي عزيزا ولا غالبا ، لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله .
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله .
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل ؛ ولا تجد لها سندا إلا الله ، ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء . وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله . فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله .
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه ، أو تقاتل حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه . وقد سئل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى . فأيها في سبيل الله . فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .
كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا ، ويذهب وحده هالكا ، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار !
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما . فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه ، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله ؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة . فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس ، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية !
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستبقائه !
من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله ، قد يبطئ النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .
وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه ، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه :
( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ؛ ولله عاقبة الأمور ) . .
فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره . . فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله ، فيستحقون نصر الله ، القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه ? إنهم هؤلاء : ( الذين إن مكناهم في الأرض )
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إِلاّ أَن يَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } .
يقول تعالى ذكره : أذن للذين يقاتلون الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ ف «الذين » الثانية ردّ على «الذين » الأولى . وعنى بالمخرجين من دورهم : المؤمنين الذين أخرجهم كفار قريش من مكة . وكان إخراجهم إياهم من دورهم وتعذيبهم بعضهم على الإيمان بالله ورسوله ، وسبّهم بعضهم بألسنتهم ووعيدهم إياهم ، حتى اضطرّوهم إلى الخروج عنهم . وكان فعلهم ذلك بهم بغير حقّ لأنهم كانوا على باطل والمؤمنون على الحقّ ، فلذلك قال جلّ ثناؤه : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ . وقوله : إلا أنْ يَقُولُوا رَبّنا اللّهُ يقول تعالى ذكره : لم يخرجوا من ديارهم إلا بقولهم : ربنا الله وحده لا شريك له ف «أنْ » في موضع خفض ردّا على الباء في قوله : بِغَيْرِ حَقّ ، وقد يجوز أن تكون في موضع نصب على وجه الاستثناء .
وقوله : ولَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولولا دفع الله المشركين بالمسلمين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ دفع المشركين بالمسلمين .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولولا القتال والجهاد في سبيل الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْلا دَفْعُ اللّهَ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ قال : لولا القتال والجهاد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعدهم من التابعين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن سيف بن عمرو ، عن أبي روق ، عن ثابت بن عوسجة الحضْرميّ ، قال : حدثني سبعة وعشرون من أصحاب عليّ وعبد الله منهم لاحق بن الأقمر ، والعيزار بن جرول ، وعطية القرظيّ ، أن عليّا رضي الله عنه قال : إنما أنزلت هذه الاَية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لولا دفاع الله بأصحاب محمد عن التابعين لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبيَعٌ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لولا أن الله يدفع بمن أوجب قبول شهادته في الحقوق تكون لبعض الناس على بعض عمن لا يجوز قبول شهادته وغيره ، فأحيا بذلك مال هذا ويوقي بسبب هذا إراقة دم هذا ، وتركوا المظالم من أجله ، لتظالَمَ النّاسُ فُهدمت صوامع . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يقول : دفع بعضهم بعضا في الشهادة ، وفي الحقّ ، وفيما يكون من قبل هذا . يقول : لولاهم لأهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض ، لهُدم ما ذكر ، من دفعه تعالى ذكره بعضَهم ببعض ، وكفّه المشركين بالمسلمين عن ذلك ومنه كفه ببعضهم التظالم ، كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم ومنه كفّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحقّ من له قِبله حق ، ونحو ذلك . وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض ، لولا ذلك لتظالموا ، فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيَعهم وما سمّى جلّ ثناؤه . ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عني من ذلك بعضا دون بعض ، ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسليم له ، فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بيّنته قبل لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا .
وقوله : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالصوامع ، فقال بعضهم : عُني بها صوامع الرهبان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن رُفيع في هذه الاَية : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال : صوامع الرهبان .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال : صوامع الرهبان .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال : صوامع الرهبان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال : صوامع الرهبان .
حُدثت عن الحسين ، قال : حدثنا سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله : لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وهي صوامع الصغار يبنونها .
وقال آخرون : بل هي صوامع الصابئين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : صَوَامِعُ قال : هي للصابئين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : لَهُدّمَتْ . فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة : «لَهُدِمَتْ » خفيفة . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة والبصرة : لَهُدّمَتْ بالتشديد بمعنى تكرير الهدم فيها مرّة بعد مرّة . والتشديد في ذلك أعجب القراءتين إليّ . لأن ذلك من أفعال أهل الكفر بذلك .
وأما قوله وَبِيَعٌ فإنه يعني بها : بيع النصارى .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم مثل الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن رُفيع : وَبِيَعٌ قال : بيع النصارى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : وَبِيَعٌ للنصارى .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : البِيَعُ : بيع النصارى .
وقال آخرون : عُني بالبيع في هذا الموضع : كنائس اليهود . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : وَبِيَعٌ قال : وكنائس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَبِيَعٌ قال : البِيَعُ الكنائس .
قوله : وَصَلَوَاتٌ اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : عني بالصلوات الكنائس . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَصَلَوَاتٌ قال : يعني بالصلوات الكنائس .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَصَلَوَاتٌ : كنائس اليهود ، ويسمون الكنيسة صَلُوتَا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : وَصَلَوَاتٌ كنائس اليهود .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
وقال آخرون : عني بالصلوات مساجد الصابئين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، قال : سألت أبا العالية عن الصلوات ، قال : هي مساجد الصابئين .
قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن رُفيع ، نحوه .
وقال آخرون : هي مساجد للمسلمين ولأهل الكتاب بالطرق . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَصَلَوَاتٌ قال : مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَصَلَوَاتٌ قال : الصلوات صلوات أهل الإسلام ، تنقطع إذا دخل العدوّ عليهم ، انقطعت العبادة ، والمساجد تهدم ، كما صنع بختنصر .
وقوله : وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللّهِ كَثِيرا اختلف في المساجد التي أريدت بهذا القول ، فقال بعضهم : أريد بذلك مساجد المسلمين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن رُفيع ، قوله : وَمَساجِدُ قال : مساجد المسلمين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قَتادة : وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللّهِ كَثِيرا قال : المساجد : مساجد المسلمين يذكر فيها اسم الله كثيرا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، نحوه .
وقال آخرون : عني بقوله : وَمَساجِدُ : الصوامع والبيع والصلوات . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَمَساجِدُ يقول في كلّ هذا يذكر اسم الله كثيرا ، ولم يخصّ المساجد .
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : الصلوات لا تهدم ، ولكن حمله على فعل آخر ، كأنه قال : وتركت صلوات . وقال بعضهم : إنما يعني : مواضع الصلوات . وقال بعضهم : إنما هي صلوات ، وهي كنائس اليهود ، تُدعى بالعبرانية : صَلُوتَا .
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : لهدمت صوامع الرهبان وبِيعَ النصارى ، وصلوات اليهود ، وهي كنائسهم ، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا .
وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل ذلك لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب المستفيض فيهم ، وما خالفه من القول وإن كان له وجه فغير مستعمل فيما وجهه إليه مَنْ وجهه إليه .
وقوله : وَلَيَنْصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ يقول تعالى ذكره : وليعيننّ الله من يقاتل في سبيله ، لتكون كلمته العليا على عدوّه فَنْصُر الله عبده : معونته إياه ، ونَصْرُ العبد ربه : جهاده في سبيله ، لتكون كلمته العليا .
وقوله : إنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ يقول تعالى ذكره : إن الله لقويّ على نصر من جاهد في سبيله من أهل ولايته وطاعته ، عزيز في مُلكه ، يقول : منيع في سلطانه ، لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب .