{ 23 - 25 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }
لما ذكر تعالى ، آياته التي ذكر بها عباده ، وهو : القرآن ، الذي أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ذكر أنه ليس ببدع من الكتب ، ولا من جاء به ، بغريب من الرسل ، فقد آتى الله موسى الكتاب الذي هو التوراة المصدقة للقرآن ، التي قد صدقها القرآن ، فتطابق حقهما ، وثبت برهانهما ، { فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } لأنه قد تواردت أدلة الحق وبيناته ، فلم يبق للشك والمرية ، محل .
{ وَجَعَلْنَاهُ } أي : الكتاب الذي آتيناه موسى { هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } يهتدون به في أصول دينهم ، وفروعه{[685]} وشرائعه موافقة لذلك الزمان ، في بني إسرائيل .
وأما هذا القرآن الكريم ، فجعله اللّه هداية للناس كلهم ، لأنه هداية للخلق ، في أمر دينهم ودنياهم ، إلى يوم القيامة ، وذلك لكماله وعلوه { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }
ثم أشارت السورة الكريمة بعد ذلك إلى ما أعطاه الله - تعالى - لنبيه موسى - عليه السلام - من نعم . وما منحه للصالحين من قومه من منن ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب . . . فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب } التوراة التى أنزلها سبحانه - لتكون هداية لبنى إسرائيل .
قالوا : وإنما ذكر موسى لقربه من النبى صلى الله عليه وسلم ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم . إنما لم يختر عيسى - عليه السلام - للذكر وللاستدلال ، لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته ، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة موسى - عليه السلام - .
والضمير المجرور فى قوله : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } يعود إلى موسى على أرجح لأقوال - أو إلى الكتاب .
أى : أتينا موسى الكتاب فلا تكن - أيها الرسول الكريم - فى مرية أو شك من لقاء وسى للكتاب الذى أوحيناه إليه ، بقبول ورضا وتحمل لتكاليف الدعوة به ، فكن مثله فى لك ، وبلغ ما أنزل إليك من ربك دون ان تخشى أحداً سواه .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب } أى : جنس الكتاب { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ } أى : شك { مِّن لِّقَآئِهِ } أى : من لقائه ذلك الجنس .
وحمل بعضهم { الكتاب } على العهد ، أى الكتاب المعهود وهو التوراة .
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون فى شك ، المقصود به أمته ، والتعريض بمن اتصف بذلك . وقيل الكتاب ، المراد به التوراة ، وضمير ، لقائه ، عائد إليه من غير تقدير مضاف . ولقاء صدر مضاف إلى مفعوله موسى . أى : فلا تكن فى مرية من لقاء موسى الكتاب ، ومضاف إلى فاعله ، ومفعوله موسى . أى : من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه . .
وهذا الرأى الأخير الذى عبر عنه الآلوسى - رحمه الله - بقوله " وقيل " وهو فى رأينا رجح الآراء ، وأقربها إلى الصواب ، لبعده عن التكلف .
قال الجمل فى حاشيته ، بعد أن ساق ستة أقوال فى عودة الضمير فى قوله { مِّن لِّقَآئِهِ } : وأظهرها أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب . أى : لا ترتب فى أن موسى لقى الكتاب أنزل عليه .
قال صاحب الكشاف : والضمير فى " لقائه " له - أى لموسى - ، ومعناه : إنا آتينا موسى - عليه السلام - مثل ما آتيناك من الكتب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى ، فلا تكن فى شك من أنك لقيت مثله ، ولقيت نظيره كقوله - تعالى - : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ } .
وقوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ } أى : وجعلنا الكتاب الذى أنزلناه على نبينا موسى - عليه السلام - هداية لبنى إسرائيل إلى طريق الحق والسداد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّن لّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى التوراة ، كما آتيناك الفرقان يا محمد فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ يقول : فلا تكن في شكّ من لقائه فكان قتادة يقول : معنى ذلك : فلا تكن في شكّ من أنك لقيته ، أو تلقاه ليلة أُسري بك ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي ، قال : حدثنا ابن عمّ نبيكم ، يعني ابن عباس ، قال : قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «أُرِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ رَجُلاً آدَمَ طِوَالاً جَعْدا ، كأنّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ ، ورأيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَربُوعَ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبَياضِ ، سَبْطَ الرأسِ ، ورأيْتُ مالِكا خازِنَ النّارِ ، والدّجّالَ » في آيات أرَاهُنّ اللّهُ إيّاهُ ، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ أنه قد رأى موسى ، ولقي موسى ليلة أُسري به .
وقوله : وَجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِي إسْرائِيلَ يقول تعالى ذكره : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل ، يعني : رشادا لهم يرشدون باتباعه ، ويصيبون الحقّ بالاقتداء به ، والائتمام بقوله . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِي إسْرائِيلَ قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل .
قرأ الناس «في مِرية » بكسر الميم ، وقرأ الحسن بضمها ، واختلف المتأولون في الضمير الذي في { لقائه } على من يعود ؛ فقال أبو العالية الرياحي وقتادة : يعود على موسى ، والمعنى لا تكن في شك من أن تلقى موسى ، أي في ليلة الإسراء ، وهذا قول جماعة من السلف ، وقاله المبرد حين امتحن ابا إسحاق الزجاج بهذه المسألة ، وقالت فرقة الضمير عائد على { الكتاب } أي أنه لقي موسى حين لقيه موسى ، والمصدر في هذا التأويل يصح أن يكون مضافاً للفاعل بمعنى لقي الكتاب موسى ، ويصح أن يكون مضافاً إلى المفعول بمعنى لقي الكتابَ - بالنصب - موسى ، وقال الحسن الضمير عائد على ما يتضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى ، وذلك أن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال { ولقد آتينا موسى } هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس ، وكأن الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقالت فرقة معناه فلا تكن في شك من لقائه في الآخرة .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول ضعيف ، وقالت فرقة الضمير العائد على { ملك الموت } [ السجدة : 11 ] الذي تقدم ذكره ، وقوله { فلا تكن في مرية من لقائه } اعتراض بين الكلامين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.