تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (41)

{ 41 - 42 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }

نبه تعالى عباده على عظمته ، وكمال سلطانه ، وافتقار جميع المخلوقات له في ربوبيتها ، وعبادتها فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } من حيوان وجماد { وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ } أي : صافات أجنحتها ، في جو السماء ، تسبح ربها . { كُلٌّ } من هذه المخلوقات { قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } أي : كل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به ، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح ، إما بواسطة الرسل ، كالجن والإنس والملائكة ، وإما بإلهام منه تعالى ، كسائر المخلوقات غير ذلك ، وهذا الاحتمال أرجح ، بدليل قوله : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } أي : علم جميع أفعالها ، فلم يخف عليه منها{[565]}  شيء ، وسيجازيهم بذلك ، فيكون على هذا ، قد جمع بين علمه{[566]}  بأعمالها ، وذلك بتعليمه ، وبين علمه بأعمالهم المتضمن للجزاء .

ويحتمل أن الضمير في قوله : { قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } يعود إلى الله ، وأن الله تعالى قد علم عباداتهم ، وإن لم تعلموا -أيها العباد- منها ، إلا ما أطلعكم الله عليه . وهذه الآية كقوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } .


[565]:- في النسختين (منه).
[566]:- كذا في ب، وفي أ: علمها.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (41)

وبعد أن أورد - سبحانه - هذين المثلين للذين كفروا وأعمالهم ، أتبع ذلك ببيان أن الكون كله يسبح بحمد الله - تعالى - وأن الكون كله فى ملكه وقبضته ، فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله . . . } .

الاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ . . . } للتقرير : والرؤية : بمعنى العلم .

والتسبيح : مشتق من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء . فالمسبح : مسرع فى تنزيه الله - تعالى - وتقديسه وإثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال .

والمعنى : لقد علمت أيها الرسول الكريم علما يشبه المشاهدة فى اليقين ، أن الله - تعالى - يسبحه ويقدسه وينزهه عن كل ما لا يليق به - عز وجل - جميع من فى السموات ، وجميع من فى الأرض .

وقوله - تعالى - : { والطير صَآفَّاتٍ } برفع ، " والطير " على أنه معطوف على " من " وبنصب " صافات " على أنه حال .

أى : والطير - أيضا - تسبح لله - تعالى - حال كونها صافات أجنحتها فى الجو ، دون أن يمسكها أحد إلا هو - سبحانه - .

وخص الطيور بالذكر مع أنها مندرجة تحت من فى السموات والأرض لعدم استقرارها بصفة دائمة على الأرض ، فهى - فى مجموعها - تارة على الأرض ، وتارة فى الجو .

وذكرها فى حال بسطها لأجنحتها لأن هذه الحالة من أعجب أحوالها ، حيث تكون فى الجو باسطة لأجنحتها بدون تحريك ، مما يدل على بديع صنع الله فى خلقه .

وصدق الله إذ يقول : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ . . . } وقوله - تعالى - : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } استئناف لبيان مظهر من مظاهر قدرة الله - تعالى - وحكمته ، حيث ألهم - سبحانه - كل مخلوق من مخلوقاته كيفية التسبيح لخالقه - عز وجل .

والتنوني فى " كل " عوض عن المضاف إليه ، والضمير المحذوف الذى هو فاعل " علم " يعود على المصلى والمسبح .

أى : كل واحد ممن يصلى لله - تعالى - ويسبح بحمده - سبحانه - ، قد علم معنى صلاته ومعنى تسبيحه ، فهو لم يعبد الله اتفاقا أو بلا روية ، وإنما عبده - تعالى - عن قصد ونية ، ولكن يكفية نفوض معرفتها إل الخالق - عز وجل - وحده .

ومنهم من يرى أن الضمير فى " علم " يعود إلى الله - تعالى - فيكون المعنى : كل واحد من هؤلاء المصلين والمسبحين ، قد علم - سبحانه - صلاتهم وتسبيحهم له علما تاما شاملا .

قال بعض العلماء ما ملخصه : واعلم أن الأظهر أن يكون ضمير الفاعل المحذوف فى قوله { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } راجعا إلى المصلين والمسبحين أى : كل من المصلين قد علم صلاة نفسه ، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه ، لأنه على هذا القول يكون قوله - تعالى - { والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } من باب التأسيس .

أما على القول بأن الضمير يعود إلى الله - تعالى - . أى : كل واحد منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه . فيكون قوله - تعالى - : { والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } من باب التأكيد اللفظى ، والتأسيس للأحكام أولى من التأكيد لها .

والظاهر أن الطير تسبح وتصلى صلاة وتسبيحا يعلمهما الله ، ونحن لا نعلمهما كما قال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . .