تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا} (88)

{ 88 } { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }

وهذا دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على صحة ما جاء به الرسول وصدقه ، حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله ، وأخبر أنهم لا يأتون بمثله ، ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه .

ووقع كما أخبر الله ، فإن دواعي أعدائه المكذبين به ، متوفرة على رد ما جاء به بأي : وجه كان ، وهم أهل اللسان والفصاحة ، فلو كان عندهم أدنى تأهل وتمكن من ذلك لفعلوه .

فعلم بذلك ، أنهم أذعنوا غاية الإذعان ، طوعًا وكرهًا ، وعجزوا عن معارضته .

وكيف يقدر المخلوق من تراب ، الناقص من جميع الوجوه ، الذي ليس له علم ولا قدرة ولا إرادة ولا مشيئة ولا كلام ولا كمال إلا من ربه ، أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات ، المطلع على سائر الخفيات ، الذي له الكمال المطلق ، والحمد المطلق ، والمجد العظيم ، الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادًا ، والأشجار كلها أقلام ، لنفذ المداد ، وفنيت الأقلام ، ولم تنفد كلمات الله .

فكما أنه ليس أحد من المخلوقين مماثلاً لله في أوصافه فكلامه من أوصافه ، التي لا يماثله فيها أحد ، فليس كمثله شيء ، في ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله تبارك وتعالى .

فتبًا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق ، وزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه .