السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا} (88)

ونزل حين قال الكفار للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن . { قل } أي : لهؤلاء البعداء { لئن اجتمعت الأنس } الذين تعرفونهم وتعرفون ما أوتوا من البلاغة والحكمة والذين لا تعرفونهم { والجنّ } الذين يأتون كهانهم ويعلمونهم ببعض المغيبات عنهم وغيرهم وترك الملائكة لأنهم لا عهد لهم بشيء من التصدي ولأنهم كانوا وسائط { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى { لا يأتون بمثله } أي : لا يقدرون على ذلك فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله .

تنبيه : في قوله تعالى : لا يأتون بمثله قولان أظهرهما أنه جواب للقسم الموطأ له باللام والثاني : أنه جواب لشرط واعتذروا عن رفعه بأنّ الشرط ماض فهو كقوله :

وإن أتاه خليل ، أي : فقير يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم

لأنّ الشرط وقع ماضياً وناقشه أبو حيان بأنّ هذا ليس مذهب سيبويه ولا الكوفيين والمبرد لأنّ مذهب سيبويه في مثله أنّ النية به التقديم ومذهب الكوفيين والمبرد أنه على حذف الفاء وهذا مذهب ثالث قال به بعض الناس : { ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } أي : معيناً بضم أقوى ما فيه إلى أقوى ما في صاحبه .

تنبيه : قد تقدّم في سورة البقرة أنّ الله تعالى قال : { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة ، 23 ] وقدّمنا الكلام على ذلك وفي وجه كون القرآن معجزاً قولان أحدهما : أنه معجز في نفسه . والثاني : أنه ليس في نفسه معجزاً إلا أنه تعالى لما صرف دواعيهم عن الإتيان بمعارضته وكانت الدواعي متوفرة على الإتيان بهذه المعارضة مع التقديرات المذكورة يكون نقضاً للعادة فيكون معجزاً والقول الأوّل أظهر .