بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ} (98)

قوله عز وجل : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } ؛ وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ حطب جهنم ، وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ حضب جهنم ، بالضاد ، وقراءة العامة { حَصَبُ } بالصاد ، يعني : رمياً في جهنم .

وكل ما يرمى في جهنم فهو حصب ، ويقال : حصب هو الحطب بلسان الزنجية . ومن قرأ : حطب ، أي كل ما يوقد به جهنم ، ومن قرأ حضب ، بالضاد معناه ما يهيج به النار . { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } ، أي داخلون .

وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قريشاً وهم في المسجد مجتمعون ، وثلاثمائة وستون صنماً مصفوفة ، وصنم كل قوم بحيالهم ؛ فقال : « { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } يعني : من هذه الأصنام ، فِي النَّارِ » . ثم انصرف عنهم ، فشق ذلك عليهم مشقة عظيمة شديدة . وأتاهم عبد الله بن الزبعرى ، وكان شاعراً ، فقال : ما لي أراكم بحال لم أركم عليها قبل ؟ فقالوا : إن محمداً يزعم أنا وما نعبد في النار . فقال : لو كنت هاهنا لخصمته . فقالوا : هل لك أن نرسل إليه ؟ فقال : نعم . فبعثوا إليه ، فأتاهم ، فقال له ابن الزبعرى : أرأيت ما قلت لقومك آنفاً ، أخاص لهم أم عام ؟ فقال : بل عام ، كل من عبد من دون الله فهو وما يعبد في النار . قال : أرأيت عيسى ابن مريم عليه السلام هذه النصارى تعبده ، فعيسى والنصارى في النار ؟ وهذا عزير تعبده اليهود ، فعزير واليهود في النار ؟ وهذا حي يقال لهم بنو مليح يعبدون الملائكة ، فالملائكة وهم في النار ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم ، فضج أصحابه وضحكوا فنزل : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً } ، ونزل في عيسى وعزير والملائكة { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] .

يقال إن هذه القصة لا تصح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب ، وأنطقهم لساناً ، وأحضرهم جواباً كما وصف نفسه : « أنَا أفْصَحُ العَرَبِ » فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال ، ولم يكن السؤال لازماً ؛ ويقال : كان سكوته الاستخفاف ، لأنه سئل سؤالاً محالاً ، لأنه قال : { إنكم وما تعبدون من دون الله } ، ولم يقل ومن تعبدون . وما لا يقع على النواطق ، ومن تقع على النواطق ؛ ويقال : هذا القول يقال لهم يوم القيامة ، لأنه قال : { قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالمين } . يقال لهم عند ذلك : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، فإن قيل : ما الحكمة في إدخال الأصنام في النار ؟ قيل : زيادة عقوبة للكفار ، لأن الأصنام أحجار ، فيكون الحر فيها أشد ؛ ويقال : الفائدة في إدخال المعبود النار زيادة ذل وإصغار عليهم ، حيث رأوا معبودهم في النار معهم من غير أن يكون للأصنام عقوبة ، لأنه لا يجوز التعذيب بذنب غيرهم .