الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ} (98)

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه ، لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم . ويصدّقه ما روي : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } الآية ، فأقبل عبد الله بن الزبعرى فرآهم يتهامسون ، فقال : فيم خوضكم ؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوه . فقال ابن الزبعرى : أأنت قلت ذلك ؟ قال : نعم . قال : قد خصمتك ورب الكعبة . أليس اليهود عبدوا عزيراً ، والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك " فأنزل الله تعالى : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى } [ الأنبياء : 101 ] يعني عزيراً والمسيح والملائكة عليهم السلام .

فإن قلت : لم قرنوا بآلهتهم ؟ قلت : لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غمّ وحسرة ، حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم . والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب ، ولأنهم قدّروا ، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم ، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم . فإن قلت إذا عنيت بما تعبدون الأصنام ، فما معنى { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } ؟ قلت : إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد ، جاز أن يقال : لهم زفير ، وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس . والحصب : المحصوب ، أي يحصب بهم في النار . والحصب : الرمي . وقرىء بسكون الصاد ، وصفاً بالمصدر . وقرىء «حطب » و«حضب » بالضاد متحركاً وساكناً وعن ابن مسعود : يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون . ويجوز أن يصمهم الله كما يعميهم .