بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِيَ نَفَقٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمٗا فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأۡتِيَهُم بِـَٔايَةٖۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (35)

فلما وعد الله تعالى بالنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم تعجل أصحابه لذلك ، وأرادوا أن يعجل بهلاك الكفار فنزل : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأراد به قومه فقال : إن عظم عليك إعراضهم عن الإيمان ، ولا تصبر على تكذيبهم إياك { فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً في الأرض } يعني : إن قدرت أن تطلب سِرْباً في الأرض والنافقاء إحدى جحري اليربوع { أَوْ سُلَّماً فِي السماء } يعني : مصعداً إلى السماء { فتأتيهم بآية } فافعل ذلك على وجه الإضمار . وهذا كما قال في آية أخرى : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [ الحج : 15 ] الآية .

وروى محمد بن المنكدر : أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله أمر السماء أن تطيعك ، وأمر الأرض أن تطيعك ، وأمر الجبال أن تطيعك ، فإن أحببت أن ينزل عذاباً عليهم قال : « يا جبريل أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم »

ثم قال : { وَلَوْ شَاء لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى } يعني : لهداهم إلى الإيمان . ويقال : ولو شاء لاضطرهم إلى الهدى كما قال في آية أخرى { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين } [ الشعراء : 4 ] ومعناه : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى قهراً وجبراً ، ولكن ما فعل وكلفهم وتركهم فاختيارهم .

ثم قال : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } يعني : بأنه لو شاء لهداهم . وقال الضحاك : يعني : القدر خيره وشره من الله تعالى ، فلا تجعل معرفة ذلك بعد البيان .