الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِيَ نَفَقٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمٗا فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأۡتِيَهُم بِـَٔايَةٖۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (35)

قوله تعالى : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ . . . } [ الأنعام :35 ] .

فيها إلزام الحجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتقسيم الأحوال عليه ، حتى يبين أنْ لاَ وَجْهَ إلا الصَّبر ، والمعنى : إن كنت تعظم تكذيبهم ، وكفرهم على نَفْسِكَ ، وتلتزم الحُزْنَ ، فإن كنت تقدر على دُخُولِ سَرَبٍ في أعماق الأرض ، أو على ارْتِقَاءِ سُلَّمٍ في السماء ، فافعل ، أي : ولست بِقَادِرٍ على شيء من هذا ، ولا بُدَّ لك من التزام الصَّبْرِ ، واحتمال المشقة ، وَلَوْ شَاء الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } في أن تَأْسَفَ وتحزن على أَمْرٍ أراده اللَّه ، وأمضاه ، وروى الدَّارَقُطْنِيُّ في «سننه » عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال : ( إذا أَصَابَ أَحَدَكُمْ هَمٌّ أوْ حُزْنٌ فليقل سَبْعَ مَرَّاتٍ : اللَّه اللَّه رَبِّي لاَ أُشْرِكُ به شَيْئاً ) ، انتهى من «الكوكب الدُّري » .

و { تَأْتِيَهُم بِآيَةٍ } أي : بعلامة .

وقال مَكّي ، والمَهْدوي : الخِطَابُ بقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمُرَادُ أمته ، وهذا ضَعِيفٌ لا يقتضيه اللفظ ، قلت : وما قاله ( ع ) : فيه عندي نَظَرٌ ، لأن هذا شَأْنُ التأويل إخراج اللَّفْظِ عن ظاهره لموجب ، عَلَى أن أَبَا محمد مَكِّيًّا رحمه اللَّه نَقَلَ هذا القول عن غيره نَقْلاً ، ولفظه : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } أي : ممن لا يعلم أن اللَّه لو شَاءَ لَجَمَعَ على الهُدَى جميع خَلْقِهِ .

وقيل : معنى الخطاب لأُمَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : فلا تكونوا من الجاهلين ، ومثله في القرآن كثير ، انتهى من " الهِدَايَةِ " .