الآية 35 فعلى ذلك قوله تعالى : { وإن كان كبر عليك إعراضهم } إذ{[7043]} كان يكبر عليه ، ويثقل إعراضهم لما يطلبون منه الآيات . حتى إذا جاء بها لا يؤمنون من نحو ما قالوا { ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه } [ الإسراء : 93 ] وغير ذلك من الآيات التي سألوها .
فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيمانهم إذا جاء بما سألوا من الآيات ، فكان الله عالما بأنه ، وإن جاءتهم آيات ، لم يؤمنوا . وإنما يسألون سؤال تعنت لا سؤال طلب آيات لتدلهم على الهدى .
فقال عند ذلك : { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء } أي أن يكون قوله تعالى : { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض } نهيا عن الحزن عليهم ؛ أي لا تحزن عليهم كل هذا الحزن بما ينزل بهم ، وقد تعلم صنيعهم وسوء معاملتهم آيات الله .
وكذلك روي في القصة عن ابن عباس رضي الله عنه أن نفرا من قريش قالوا : يا محمد ائتنا بآيتين عن ذلك . كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات إذ سألوهم{[7044]} ، فإن أتيتنا آمنا بك ، وصدقناك . فيأبى الله تعالى أن يأتيهم بما قالوا ، فاعرضوا عنه ، فكبر ذلك عليه ، وشق ، فأنزل الله تعالى : { فإن استطعت } يقول : إن قدرت { أن تبتغي } يقول : إن تطلب { نفقا في الأرض كنفق اليربوع نافذا أو مخرجا ، فتوارى فيه{[7045]} منهم { أو سلما في السماء } يكون سببا إلى صعود السماء ، فتأتيهم بالآية{[7046]} التي سألوها فافعل .
قال القتبي : النفق في الأرض : المدخل ، وهو السرب ، والسلم في السماء : وقال أبو عوسجة : النفق الغار ، والأنفاق الغيران ، والغار واحد .
وقوله تعالى : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } قال الحسن : أي { ولو شاء الله } لقهرهم على الهدى ، وأكرههم كما فعل بالملائكة [ إذ من قوله : أن الملائكة ]{[7047]} مجبورون مقهورون . ثم هو يفضل الملائكة على البشر ، ويجعل لهم مناقب ، لا يجعل ذلك لأحد من البشر . فلو كانت الملائكة مجبورين مقهورين على ذلك لم يكن في ذلك لهم كبير منقبة ، ففي قوله اضطراب .
وأما تأويله عندنا : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } أي لجمعهم جميعا بحيث اختاروا الهدى ، وآثروه على غيره . ولكن لما علم منهم أن يختاروا الكفر على الهدى لم يشأ أن يجمعهم على الهدى ، وقد ذكرنا هذا في ما تقدم ألا يكون الهدى في حال القهر والجبر ، وإنما يكون في حال الاختيار .
وقوله تعالى : { فلا تكونن من الجاهلين } يحتمل وجوها ؛ يحتمل { فلا تكونن من الجاهلين } من قضاء الله وحكمه ، ويحتمل : { فلا تكونن من الجاهلين } من إحسانه وفضله ، أي من إحسانه جعل لهم الهدى ، ويحتمل : { فلا تكونن من الجاهلين } أنه يؤمن بك بعضهم ، وبعضهم لا يؤمن .
قال أبو بكر الكيسائي في قوله { ولو شاء الله } ابتلاهم بدون ما ابتلاهم به ليخف عليهم ، فيجيبون بأجمعهم ، أو يقول : { ولو شاء الله } لوفقهم جميعا للهدى ، فيهتدون ، وهو قولنا . لكن لم يشأ لما ذكرنا أنه لم يوفقهم لما علم منهم أنهم يختارون الكفر{[7048]} .
وقوله تعالى : { فلا تكونن من الجاهلين } بأن الله قادر ؛ لو شاء لجعلهم جميعا مهتدين . ثم معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معصوما ، لا يجوز أن يقال : إنه يكون من الجاهلين أو من الشاكرين على ما ذكر . ولكن ذكر هذا ، والله أعلم ، ليعلم أن العصمة لا ترف الأمر والنهي والامتحان ، بل تزيد . لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.