بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

قوله تعالى { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ } ، يعني : ما ينبغي وما جاز للنبي والذين آمنوا { أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } . وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت له : أتستغفر لأبويك وهما مشركان ؟ فقال : ألم يستغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } . { وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قربى } ، يعني : ذا قرابة في الرحم . { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصحاب الجحيم } ، يعني : أهل النار وماتوا على الكفر وهم في النار .

ويقال أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبويه وهما مشركان ، واستأذن منه المسلمون أن يستغفروا لآبائهم ، فنهاهم الله عن ذلك ، وقال : { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } . وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه ، حتى انتهينا إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلاً ، ثم رفع رأسه باكياً ، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا ، فتلقاه عمر رضي الله عنه وقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فأخذ بيد عمر وأقبل إلينا ، فأتيناه فقال : « أفْزَعَكُمْ بُكَائِي » فقلنا : نعم يا رسول الله . فقال : « إنَّ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتُ وَهْبٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي بِالاسْتِغْفَارِ لَهَا ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، فأنزِل الله { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ } فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَيْنِ مِنَ الرِّقَّةِ ، فذلك الَّذِي أبْكَانِي » . وروى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِوَالِدَيَّ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاْستَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهُمَا ، فَأَذِنَ لِي » فنزلت هذه الآية { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } .