بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (41)

قوله تعالى :

{ انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } ؛ قال الكلبي : { خفافاً } يعني : أهل العسرة من المال ، وقلة العيال ، و{ ثقالاً } يعني : أهل المسيرة في المال والصبية العيال . وقال الكلبي : ويقال فيها وجه آخر { انفروا خِفَافًا } ، يقول : نشاطاً في الجهادِ { وَثِقَالاً } غير نشاط في الجهاد ، وكذا قال مقاتل ؛ ويقال : { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } شباناً وشيوخاً . وروى حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن أبا طلحة الأنصاري قرأ هذه الآية { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } ، فقال : ما أرى الله تعالى إلا سينفرنا شباناً وشيوخاً ، قال : جهزوني فقلنا : قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأنت اليوم شيخ كبير . قال : جهزوني . فجهزناه فركب البحر فمات في غزاته . وروى سفيان ، عن منصور ، عن الحكم قال : { انفروا خفافا وثقالا } مشاغيل وغير مشاغيل . وروى مسروق ، عن أبي الضحى قال : أول ما نزلت من سورة براءة هذه الآية { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } ثم نزل أولها وآخرها . وروي عن ابن عباس أنه قال : نسختها هذه الآية : { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدين وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [ التوبة : 122 ] وقال بعضهم : ليست بمنسوخة ، ولكنها في الحالة التي وقع فيها النفير ، وجب على جميع الناس الخروج إلى الجهاد ، وإذا لم يكن النفير عاماً ، يكون فرضاً عاماً ؛ فإذا خرج بعض الناس ، سقط عن الباقين وبه نأخذ .

ثم قال تعالى : { وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ الله ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ } ، يعني : الجهاد خير لكم من الجلوس ، { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ؛ يعني : تصدقون بثواب الله . ويقال : معناه إن كنتم تعلمون أن الخروج إلى الجهاد خير لكم من القعود فَانْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً .