فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ} (3)

{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } أي ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي .

قال الحافظ ابن القيم في البدائع : اشتمال هذه على النفي المحض خاصة هذه السورة العظيمة ، فإنها سورة براءة من الشرك كما جاء في وصفها ، فمقصودها الأعظم هو البراءة المطلقة بين الموحدين والمشركين ، ولهذا أتى بالنفي في الجانبين تحقيقا للبراءة المطلوبة ، هذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحا .

فقوله { لا أعبد ما تعبدون } براءة محضة { ولا أنتم عابدون ما أعبد } إثبات أن له معبودا يعبده ، وأنهم بريئون من عبادته ، فتضمنت النفي والإثبات ، فطابقت قول إمام الحنفاء :{ إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } ، وطابقت قول الفئة الموحدين :{ وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها و( بقل هو الله أحد ) في سنة الفجر وسنة المغرب ، فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص ، وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما ، وهما توحيد العمل والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد ، وأنه إله واحد صمد لم يلد ولم يولد ؟

والثاني توحيد القصد والإرادة ، وهو أن لا يعبد إلا إياه ، فلا يشرك به في عبادته سواه ؛ بل يكون وحده المعبود ، وهذه السورة مشتملة على هذا التوحيد . انتهى .