فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

{ في جيدها حبل من مسد } الجيد العنق ، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال . قال أبو عبيدة : المسد هو الحبل من صوف ، وقال الحسن : هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن ، يسمى بالمسد ، وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها ، والمسد أيضا ليف المقل ، أو مطلق الليف ، والمقل شجر الدوم كما في المصباح والمختار .

وفي القاموس { المسد } بسكون السين مصدر بمعنى الفتل ، وبفتحها المحور من الحديد ، أو حبل من ليف ، أو كل حبل محكم الفتل ، والجمع مساد وأمساد .

قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ، كانت تعير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفقر ، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها ، فخنقها الله به فأهلكها ، وهو في الآخرة حبل من نار .

وقال مجاهد وعروة بن الزبير : هو سلسلة من نار يدخل في فيها ويخرج من أسفلها ، وقال قتادة : هو قلادة من ودع كانت لها . قال الحسن : إنما كان خرزا في عنقها ، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون ذلك عذابا في جسدها يوم القيامة .

والمسد الفتل ، يقال : مسد حبله يمسده مسدا أجاد فتله ، قال ابن عباس : هي حبال تكون بمكة ، ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر قالت : " لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب " أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة ، وفي يدها فهر ، وهي تقول :

مذمما أبينا *** ودينه قلينا *** وأمره عصينا

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد ، ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إنها لن تراني " .

قال تعالى :{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } ، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ، قال : لا ورب الكعبة ما هجاك . فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها ، وأخرجه البزار بمعناه وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد .