فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة تبت

وتسمى سورة أبي لهب كما في البحر . هي خمس آيات ، وهي مكية بلا خلاف ، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعائشة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبت يدا أبي لهب } قال مقاتل وابن عباس : خسرت ، وقيل : خابت ، وقال عطاء : ضلت ، وقيل : صفرت من كل خير . ومنه قولهم شابة أم تابة أي هالكة من الهرم ، وقيل : المعنى هلكت ، والأول أولى . وخص اليدين بالتباب ؛ لأن أكثر العمل يكون بهما ، وقيل : المراد باليدين نفسه ، وقد يعبر باليد عن النفس كما في قوله { بما قدمت يداك } أي نفسك ، والعرب تعبر كثيرا ببعض الشيء عن كله ، كقولهم : أصابته يد الدهر ، وأصابته يد المنايا .

قرأ العامة ( لهب ) بفتح الهاء ، وقرئ بسكونها . فقيل : لغتان ، بمعنى كالنَّهَر والنهْر ، والشعَر و الشعْر .

وقال الزمخشري هو من تغيير الأعلام ، ولم يختلف القراء في قوله { ذات لهب } أنها بالفتح ، والفرق أنها فاصلة ، فلو سكنت زال التشاكل .

وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم ، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها ، ولكون اسمه كما تقدم عبد العزى ، و العزى اسم صنم ، ولكون في هذه الكنية ما يدل على أنه ملابس للنار ؛ لأن اللهب هو لهب النار ، وإن كان إطلاقه ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلا ، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه كما تتلهب النار .

قال القرطبي : أو لأن الله أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار ، فيكون أبا لهب تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه ، وقيل : اسمه كنيته .

وروى صاحب الكشاف أنه قرئ ( تبت يدا أبو لهب ) وذكر وجه ذلك .

{ وتب } أي هلك .

قال الفراء : الأول دعاء عليه ، والثاني خير ، كما تقول : أهلكه الله وقد هلك ، والمعنى أنه قد وقع ما دعى به عليه ، وتدل عليه قراءة ابن مسعود ( وقد تب ) ، وقيل : كلاهما إخبار ، أراد بالأول هلاك عمله ، وبالثاني هلاك نفسه ، وقيل : كلاهما دعاء عليه ، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص ، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة .

وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال : " لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى صعد الصفا فهتف " يا صباحاه " ، فاجتمعوا إليه فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تبا لك ، إنما جمعتنا لهذا ، ثم قام فنزلت هذه السورة { تبت يدا أبي لهب وتب } {[1747]} .


[1747]:رواه البخاري 8/567 ورواه مسلم 1/ 194 بمعناه. وقوله: يا صباحاه: كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له. ورواه ابن جرير الطبري 30/ 336 وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 408 وزاد نسبته لسعيد بن منصور، وابن المنذر.