فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمان الرحيم

سورة قريش

ويقال : سورة لإيلاف . هي أربع آيات ، وهي مكية عند الجمهور ، وقال الضحاك والكلبي : هي مدنية ، والأول أصح . قال ابن عباس : نزلت بمكة ، وعن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضل الله قريشا بسبع خصال : لم يعطها أحدا قبلهم ، ولا يعطيها أحدا بعدهم ، أني فيهم ، وفي لفظ النبوة فيهم ، والخلافة فيهم ، والحجابة والسقاية فيهم ، ونصروا على الفيل ، وعبدوا الله سبع سنين- وفي لفظ عشر سنين- لم يعبده أحد غيرهم ، ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم{ لإيلاف قريش } " أخرجه البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم -وصححه- وابن مردويه والبيهقي .

قال ابن كثير : هو حديث غريب ، ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل الله قريشا بسبع خصال : فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قرشي ، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون ، وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم ، وهي { لإيلاف قريش } . وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة والسقاية " .

وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعا نحوه ، وهو مرسل .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ لإيلاف قريش } اللام قيل : متعلقة بآخر السورة التي قبلها ، كأنه قال سبحانه : أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش . قال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ؛ لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : { لإيلاف قريش } ، أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش ، وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية ، يقولون : هم أهل بيت الله عز وجل ، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ، ويأخذ حجارتها ، فيبني بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه ، فأهلكهم الله عز وجل ، فذكرهم نعمته ؛ أي فعل ذلك لإيلاف قريش ، أي ليألفوا الخروج ولا يجترئ عليهم ؛ وذكر هذا ابن قتيبة .

قال الزجاج : والمعنى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف ، ولهذا جعل أبيّ بن كعب هذه السورة وسورة الفيل واحدة ، ولم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة .

والذي عليه الجمهور من الصحابة وغيرهم -وهو المستفيض المشهور- أن هذه السورة منفصلة عن سورة الفيل ، وأنه لا تعلق بينهما .

وقال في الكشاف : إن اللام متعلقة بقوله { فليعبدوا } ، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلاف الرحلتين ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط ؛ لأن المعنى إما لا فليعبدوه .

وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد ؛ والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة ، وقال الكسائي والأخفش : اللام لام العجب ، أي إعجبوا لإيلاف قريش . وقيل : هي بمعنى إلى ، وقرئ لإلف ، وقرئ ليألف بفتح اللام على أنها لام الأمر ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود ، وفتح لام الأمر لغة معروفة .

قال سليمان الجمل : قرأ ابن عامر ( لإلاف قريش ) دون ياء قبل اللام الثانية ، والباقون ( لإيلاف ) بياء قبلها ، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو ( إيلافهم ) .

ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطا ، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منه خطا ، فهو أدل دليل على أن القراء متبعون الأثر والرواية ، لا مجرد الخط ، انتهى .

وقريش هم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ، ومن لم يلد النضر فليس بقرشي ، وقريش يأتي منصرفا إن أريد به الحي ، وغير منصرف إن أريد به القبيلة ، وقيل : إن قريشا بنو فهر بن مالك بن النضر ، والأول أصح .