فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

{ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه } من جهة الله أو الملك والجملة صفة لطعام { إلا نبأتكم بتأويله قبل أن يأتيكما } مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى ذلك أنه يعلم شيئا من الغيب بإلهام الله تعالى وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام في اليقظة إلا أخبرهما بماعيته قبل أن يأتيهما وقيل أراد به في النوم والأول هو الأظهر وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه بل جعل عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانا لعلو مرتبته في العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين فهو كقول عيسى عليه السلام وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم .

وإنما قال يوسف لهما بهذا ليحصل الانقياد له منهما فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي بينت لكما ماهيته وكيفيته وسماه تأويلا بطريق المشاكلة لأن الكلام في الرؤيا أو المعنى إلا نبأتكما بما يؤول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع .

{ ذلكما } أي التأويل والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما { مما علمني ربي } مما أوحاه إلي وألهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ ثم بين لهما أن ذلك الذي ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو سبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة وإتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال .

{ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل وعدم الالتفات إليه بالكلية لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه كما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال { وهم بالآخرة هم كافرون } أي هم يختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله .