فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (148)

{ ولكل وجهة } أي لكل دين وجهة ولكل أهل ملة قبلة ، والوجهة فعلة من المواجهة وفي معناها الجهة والوجه وهي اسم للمكان المتوجه إليه كالكعبة أو مصدر ، والمراد القبلة أي أنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ولكل وجهة إما بحق وإما بباطل .

والضمير في { هو موليها } راجع إلى لفظ { كل } والهاء هي المفعول الأول والثاني محذوف أي موليها وجهه في صلاته ، والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه ، فقبلة المسلمين الكعبة ، وقبلة اليهود بيت المقدس ، وقبلة النصارى مطلع الشمس ، أو لكل منكم يا أمة محمد قبلة يصلي إليها من شرق أو غرب أو جنوب أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ، ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه وإن لم يجر له ذكر إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك ، والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه ، وقيل لكل واحد من الناس قبلة وقرئ مولاها ، والضمير لواحد والمعنى الواحد مولاها أي محول ومصروف إليها .

{ فاستبقوا الخيرات } أي فبادروا إلى ما أمركم الله به من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق وإن كان ظاهر الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خيره كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات ، قال ابن زيد : يعني الأعمال الصالحة والمراد من الاستباق إلى الاستقبال الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها فإن الصلاة فيه أفضل ، لأن ظاهر الأمر للوجوب ، فإذا لم يتحقق الوجوب فلا أقل من الندب ، والآية دليل المذهب الشافعي في أفضلية الصلاة في أول الوقت ، والسبق الوصول إلى الشيء أولا وأصله التقدم في السير ثم تجوز به في كل ما تقدم ، والخيرات واحدها خيرة بوزن فعيلة أو زنة فعلة كجفنة وعلى كلا التقديرين فليستا للتفضيل .

{ أينا تكونوا } أي في أي جهة من الجهات المختلفة تكونوا { يأت بكم الله } للجزاء يوم القيامة فهو وعد لأهل الطاعة بالثواب ووعيد لأهل المعصية بالعقاب ويجمعكم { جميعا } ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة { إن الله على كل شيء قدير } ومنه الإعادة بعد الموت والإثابة لأهل الطاعة والعقاب لمستحق العقوبة{[146]} .


[146]:روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره كالذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البيضة). وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم (إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله) وأخرجه مالك.