فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (124)

{ ومن أعرض عن ذكري } أي الهدى الذاكر لي والداعي إليّ ، أو عن ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه ، ولم يتبع هداي { فإن له معيشة ضنكا } أي عيشا ضيقا في هذه الحياة الدنيا ؛ يقال منزل ضنك وعيش ضنك أي ضيق ، في القاموس الضنك الضيق في كل شيء ، يقال ضنك ضنكا وضناكة وضنوكة ضاق . وهو مصدر يستوي فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث ، وقرئ بضم الضاد على فعلي . ومعنى الآية أن الله عز وجل جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشا هنيئا غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه ، كما قال سبحانه { فلنحيينه حياة طيبة } وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشا ، ضيقا ، وفي تعب ونصب ، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب فهو في الآخرة أشد تعبا وأعظم ضيقا وأكثر نصبا .

وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا معيشة ضنكا ، قال : عذاب القبر . أخرجه البيهقي والحاكم وصححه ، ومسدد في مسنده ، ولفظ عبد الرزاق : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، ولفظ ابن أبي حاتم قال : ضمة القبر ، وفي سنده ابن لهيعة ، وفيه مقال معروف . وقال ابن كثير : الموقوف أصح .

وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المعيشة الضنكى أن تسلط عليه تسع وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة ) وعنه مرفوعا قال : عذاب القبر . أخرجه البيهقي والبزار وابن المنذر وغيرهم . قال ابن كثير بعد إخراجه بإسناد جيد عن ابن مسعود مثله موقوفا ، ومجموع ما ذكرنا هنا يرجح تفسير المعيشة الضنكى بعذاب القبر . وعنه قال : بالشقاء . وقيل هو الزقوم والضريع والغسلين في النار . وقيل هو الحرام والكسب الخبيث ؛ والأول أولى .

وقال ابن جبير : يسلبه القناعة حتى لا يشبع ، وقيل الحياة في المعصية وإن كان في رخاء ونعمة ، قاله الرازي . أو المراد بها عيشة في جهنم ، وبما تقرر علم أنه لا يرد أن يقال . نحن نرى المعرضين عن الإيمان في خصب معيشة .

{ ونحشره } أي المعرض عن القرآن { يوم القيامة أعمى } أي مسلوب البصر ، وهو كقوله : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا } قال النسفي : وهو الوجه ، وقيل المراد العمى عن الحجة ، وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدي إلى شيء منها .

وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم . وفي لفظ : لا يبصر إلا النار