فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

{ ولقد عهدنا إلى آدم } اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تصريف الوعيد أي لقد أمرناه ووصيناه ؛ والمعهود محذوف وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة { من قبل } أي من قبل هذا الزمان أو قبل أكله منها .

{ فنسي } المراد بالنسيان هنا ترك العمل بما وقع به العهد إليه فيه ، وبه قال أكثر المفسرين كما في قوله { إنا نسيناكم } أي تركناكم في العذاب فلا يشكل بوصفه بالعصيان غيا ، وقيل النسيان على حقيقته وأنه نسى ما عهد الله به إليه وسها عنه وكان آدم مأخوذا بالنسيان في ذلك الوقت ، وإن كان النسيان مرفوعا عن هذه الأمة ، والمراد من الآية تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على القول الأول أي أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم ، وأن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم ، كذا قال ابن جرير والقشيري وما اعترضه ابن عطية قائلا يكون آدم مماثلا للكفار الجاحدين بالله ، فليس بشيء ، وقرئ فنسّي بضم النون وتشديد السين مكسورة أي فنساه إبليس .

قال ابن عباس : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي أي لقد عهدنا إلى آدم أن لا يقرب الشجرة فنسي فترك عهدي { ولم نجد } من الوجدان بمعنى العلم أو من الوجود ضد العدم { له عزما } أي حزما وصبرا عما نهيناه عنه أو حفظا قاله ابن عباس ، والعزم في اللغة توطين النفس على الفعل والتصميم عليه والمضي على المعتقد في أي شيء كان ، وقد كان آدم عليه السلام قد وطن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمم على ذلك فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته وفتر عزمه وأدركه ضعف البشر ، وقيل العزم : الصبر كما مرأي لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة .

قال النحاس : وهو كذلك في اللغة يقال : لفلان عزم أو صبر وثبات على التحفظ عن المعاصي حتى يسلم منها ، ومنه { كما صبر أولوا العزم من الرسل } ، وقيل المعنى ولم نجد له عزما على الذنب ، وبه قال ابن كيسان ، وقيل ولم نجد له رأيا معزوما عليه ، وبه قال ابن قتيبة .

ثم شرع سبحانه في كيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه فقال :