{ حتى إذا أتوا } حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام ؛ وتكون غاية لما قبلها والمعنى فهم يوزعون إلى حضور هذه الغاية ، وهي إتيانهم { على وادي النمل } أي : فهم يسيرون ممنوعا بعضهم من مفارقة بعض ، حتى إذا أتوا على مكان فيه نمل كثير ، وعدّى ب ( على ) لأنهم كانوا محمولين على الريح ، فهم مستعلون والمعنى أنهم قطعوا الوادي وبلغوه آخره ، قال كعب : وادي النمل بالطائف .
وقال قتادة ومقاتل : هو بالشام ، والنمل حيوان معروف شديد الإحساس والشم ، حتى إنه يشم للشيء من بعيد ، ويدخر قوته ، ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفا من الإنبات الكسبرة أربع فلق ، لأنها إذا فلقت فلقتين نبتت ، ويأكل في عامة نصف ما جمع ويستبقي باقية عدة .
ووقف القراء جميعهم على ( واد ) بدون ياء ابتاعا للرسم ، حيث لم يحذف لالتقاء الساكنين ، كقوله : الذين جابوا الصخر بالواد ، إلا الكسائي ، فإنه وقف بالياء ، قال : لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل .
{ قالت نملة } {[1340]} ملكة النمل ، على وجه النصيحة قولا مشتملا على حروف وأصوات ، وكانت عرجاء ذات جناحين وهي من الحيوانات التي تدخل الجنة ، قاله سليمان الجمل . قيل : وكانت أنثى بدليل تأنيث الفعل المسند إليها ، وبه قال أبو حنيفة ، ورد هذا أبو حيان فقال : لحاق التاء في ( قالت ) لا يدل على أن النملة مؤنثة ، بل يصح أن يقال في المذكر قالت ، لأن نملة وإن كانت بالتاء فإنها مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث ، بتذكير الفعل ولا بتأنيثه ، بل يتميز بالإخبار عنه بأنه ذكر أو أنثى ، ولا يتعلق بمثل هذا كثير فائدة ، ولا بالتعرض لاسم النملة ، ولا بذكر القصص الموضوعة والأحاديث المكذوبة .
و قرئ النمل والنملة بزنة رجل وسمرة ، وقرئ بضمتين فيهما ، ثم قيل : نمل هذا الوادي صغار ، وهو النمل المعروف ، أو كبار كالبخاتي أو كالذئاب ، والأول هو المشهور والجملة جواب ( إذا ) كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت ونبهت سائر النمل منادية لها قائلة :
{ يا أيها النمل } وقد اشتمل هذا القول منها على أحد عشر نوعا من البلاغة :
وخامسها : أمرت بقولها : { ادخلوا } .
وسادسها : نصت بقولها { مساكنكم } جعل خطاب النمل كخطاب العقلاء ، لفهمها لذلك الخطاب . والمساكن هي الأمكنة التي تسكن النمل فيها وقرأ أبيّ : أدخلن مساكنكن : وقرئ : مسكنكم .
وسابعها : حذرت بقولها { لا يحطمنكم } أي : لا يكسرنكم ، والحطم الكسر . يقال : حطمته حطما أي كسرته كسرا فانحطم ، وتحكم تكسر ، والتحطيم والتكسير ، والحطام ما تكسر من اليبس ، وهذا النهي هو في الظاهر للنمل ، وفي الحقيقة لسليمان ، فهو من باب لا أرينك ههنا ، أو بدل من الأمر ، أو جواب للأمر ، وهو ضعيف يدفعه نون التأكيد لأنه من ضرورات الشعر .
وقرئ : لا يحطمنكم بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الطاء .
وثامنها : خصت بقولها : { سليمان }
وتاسعها : عمت بقولها { وجنوده } وأرادت جنود سليمان فجاءت بما هو أبلغ .
وعاشرها : أشارت بقولها { وهم }
{ لا يشعرون } أي بحطمكم ، ولا يعلمون بمكانكم . أي لو شعروا لم يفعلوا ، قالت ذلك على وجه العذر ، واصفة لهم بالعدل ، كأنها عرفت أن النبي معصوم ، وجنده محفوظ ، فلا يقع منهم حطم هذه الحيوانات ، إلا على سبيل السهو ، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء وحفظ أصحابهم ، وفيه أن الرافضة الذي ينسبون الظلم وحطم الحقوق إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وعترته ، هم أقل وأضعف بأصحابه صلى الله عليه وسلم الظلم وشتان بينهما ، وقيل : إن المعنى والنمل لا يشعرون أن سليمان يفهم مقالتها وهو بعيد جدا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.