فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (25)

{ فجاءته إحداهما } في الكلام حذف يدل عليه السياق ، قال الزجاج : تقديره فذهبتا إلى أبيهما سريعتين ، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي ، فحدثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما ، فأمر الكبرى من بنتيه وهي صفورا ، وقيل : صفراء وقيل : أمر الصغرى ، وهي ليا وقيل : صفيراء أن تدعوه له فجاءته ، وذهب أكثر المفسرين إليه أنهما ابنتا شعيب ، وقيل : هما ابنتا أخي شعيب كان قد مات ، والأول أرجح وهو ظاهر القرآن .

{ تمشي } كائنة { على استحياء } حالتي المشي والمجيء لا عند المجيء فقط وهذا دليل كمال إيمانها ، وشرف عنصرها ، لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أم لا ؟ فأتته مستحيية . قال عمر بن الخطاب : جاءت مستترة بكم درعها على وجهها من الحياء ، والحياء والاستحياء بالمد الحشمة والانقباض والانزواء ، ويتعدى بنفسه وبالحرف ، يقال : استحييته واستحييت منه .

{ قالت إن أبي يدعوك } مستأنفة جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : ماذا قالت له لما جاءته فقيل قالت الخ { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } أي جزاء سقيك لنا ، فأجابها منكرا في نفسه أخذ الأجرة ، وقيل أجاب لوجه الله ، أو للتبرك برؤية الشيخ ، لما سمع منهما أن أباهما شيخ كبير .

{ فلما جاءه } أي جاء موسى شعيبا ، وعن أبي حازم قال : لما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء فقال له شعيب كل قال موسى أعوذ بالله ؛ قال ولم ألست بجائع ؟ قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا عما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا ، قال : لا والله ولكنها عادتي . وعادة آبائي . نقري الضيف ونطعم الطعام ، فجلس موسى فأكل .

{ وقص عليه القصص } مصدر يسمى به المفعول أي المقصوص ، يعني أخبره بجميع ما اتفق له من عند قتله القبطي إلى عند وصوله إلى ماء مدين ، وعن مالك ابن أنس : أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه القصص .

{ قال } شعيب : { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } أي فرعون وأصحابه لأن فرعون لا سلطان له على مدين ، وفيه دليل على جواز العمل بخبر الواحد ولو عبدا أو أنثى ، وعلى المشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدا لا تستحق أن تذكره في تفسير كلام الله عز وجل ، والجواب عليهما يظهر للمقصر فضلا عن الكامل ؛ وأسف ما جاء به أن موسى كيف أجاب الدعوة المعللة بالجزاء لما فعله من السقي ، ويجاب عنه بأنه اتبع سنة الله في إجابة دعوة نبي من أنبياء الله ، ولم تكن تلك الإجابة لأجل أخذ الأجر على هذا العمل ، ولهذا ورد أنه لما قدم إليه الطعام قال : إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملأ الأرض ذهبا كما مر ، وفي الكشاف : أن طلب الأجرة لشدة الفاقة غير منكر ، ويشهد لصحته لو شئت لاتخذت عليه أجرا .