فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

{ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ( 155 ) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( 156 ) }

{ فبما نقضهم ميثاقهم } التقدير فبنقضهم ميثاقهم لعناهم وسخطنا عليهم وفعلنا بهم ما فعلنا ، وما مزيدة للتوكيد والباء للسببية ، وقال الكيسائي : وهو متعلق بما قبله ، والمعنى فأخذتهم الصاعقة بسبب نقضهم ميثاقهم وما بعده ، وأنكر ذلك ابن جرير الطبري وغير لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى ، والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان ، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم بالبهتان .

قال المهدوي وغيره : وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم وقال الزجاج : المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله { فبظلمهم من الذين هادوا حرمنا } ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم ، وقيل المعنى فبنقضهم لا يؤمنون إلا قليلا .

{ وكفرهم بآيات الله } أي كتبه التي حرفوها وجحودهم بآياته الدالة على صدق أنبيائه { وقتلهم الأنبياء } يعني بعد قيام الحجة والدلالة على صحة نبوتهم ، والمراد بالأنبياء يحيى وزكريا { بغير حق } أي بغير استحقاق لذلك القتل { وقولهم قلوبنا غلف } جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول .

وقيل إن غلف جمع غلاف والمعنى أن قلوبهم أوعية للعلم فلا حاجة لهم إلى علم غير ما قد حوته قلوبهم ، وهو كقولهم { قلوبنا أكنة } وغرضهم بهذا رد حجة الرسل .

{ بل طبع الله عليها بكفرهم } هذا إضراب عن الكلام الأول أي ليس عدم قبولهم للحق بسبب كونها غلفا بحسب مقصدهم الذي يردونه بل بحسب الطبع من الله عليها ، والطبع الختم ، وقد تقدم إيضاح معناه في البقرة وهي مطبوع من الله عليها بسبب كفرهم فلا تعي وعظا ، أي أحدث عليها صورة مانعة عن وصول الحق إليها ، وقيل الباء للآلة .

{ فلا يؤمنون إلا } إيمانا أو زمانا { قليلا } أو إلا قليلا منهم كعبد الله بن سلام ومن أسلم منهم معه وجرى عليه البيضاوي وغيره .