فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

{ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون 111 وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون 112 } .

{ ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة } أي لو آتيناهم ما طلبوه لا يؤمنون كما اقترحوه بقولهم لولا أنزل عليه ملك { وكلمهم الموتى } الذين يعرفونهم بعد إحيائنا لهم { وحشرنا عليهم كل شيء } مما سألوه من الآيات وأصناف المخلوقات كالسباع والطيور ، والحشر الجمع { قبلا } أي كفلاء وضمناء بما جئناهم به من الآيات البينات أو حال الكفار معاينين رائين للآيات والأصناف .

قرئ قبلا بضم القاف وقبلا بكسرها أي مقابلة ، قال المبرد : قبلا بمعنى ناحية كما تقول لي قبل فلان مال ، وبه قال أبو زيد وجماعة من أهل اللغة وعلى الأول ورد قوله تعالى : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } أي يضمنون كذا قال الفراء وقال الأخفش : هو بمعنى قبيل قبيل أي جماعة جماعة .

وحكى أبو زيد : لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا كلها واحد بمعنى المواجهة فيكون على هذا الضم كالكسر وتستوي القراءتان ، وهو قول أبي عبيدة والرفاء والزجاج ، ونقله الواحدي أيضا عن جميع أهل اللغة ، قال ابن عباس : قبلا معاينة ، وقال قتادة : فعاينوا ذلك معاينة ، وقال مجاهد : قبلا أفواجا ، وقيل القبيل الكفيل بصحة ما تقول .

{ ما كانوا ليؤمنوا } أي أهل الشقاء لما سبق في علم الله ، واللام لام الجحود { إلا أن يشاء الله } أيمانهم أي إيمان أهل السعادة والذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان فإن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والاستثناء مفرغ ، وبه قال ابن عباس وصححه الطبري ، وقال أبو البقاء والحوفي الاستثناء منقطع وتبعه السيوطي لأن المشيئة ليست من جنس إرادتهم .

واستبعده أبو حيان وجرى على أنه متصل وكذلك البيضاوي وكثير من المعربين كالسفاقسي قالوا : والمعنى ما كانوا ليؤمنوا في حال من الأحوال إلا في حال مشيئته أو في سائر الأزمان إلا في زمن مشيئته ، وقيل هو استثناء من علة عامة أي ما كانوا ليؤمنوا لشيء من الأشياء إلا بمشيئة الله الإيمان وهو الأولى كما تقدم ، وفي هذا رد على القدرية والمعتزلة في قولهم إن الله أراد الإيمان من جميع الكفار .

{ ولكن أكثرهم يجهلون } جهلا يحول بينهم وبين درك الحق والوصول إلى الصواب ، وقال البيضاوي : أي يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ، ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم مع أن مطلق الجهل يعمهم أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعا في إيمانهم انتهى .