فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا كَانُواْ يَمۡكُرُونَ} (124)

{ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتى رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون 124 فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 } .

{ وإذا جاءتهم آية } من الآيات أي حجة بينة ودلالة واضحة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى إذا جاءت الأكابر آية { قالوا } هذه المقالة { لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله } وإنما قالوها حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل المعنى إذا جاءتهم آية من القرآن تأمرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لن نصدقك حتى يأتينا جبريل ويخبرنا بصدقك يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء متبوعين لا تابعين .

وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة ونظيره { يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة } قال بعضهم يسن الوقف هنا ويستجاب الدعاء بين هاتين الجلالتين ( قلت ) لعل هذا من التجارب دون المأثورات .

فأجاب الله عنهم بقوله : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } أي أن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولا ويكون موضعا لها وأمينا عليها ، وقد اختار أن يجعلها في محمد صلى الله عليه وسلم صفيه وحبيبه ، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم ، عن ابن جريح قال : قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق : لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يؤتى به من محمد ، [ وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ] .

ثم توعدهم بقوله : { سيصيب الذين أجرموا صغار } أي ذل وهوان ، وأصله من الصغر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه ، وقيل الصغار هو الرضاء بالذل ، روي ذلك عن ابن السكيت .

{ عند الله } أي في الآخرة يوم القيامة وقيل في الدنيا { وعذاب شديد } في الآخرة أو في الدارين من القتل والأسر وعذاب النار { بما كانوا يمكرون } أي بسبب مكرهم وحسدهم .