فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

ولما ترك اليهود العمل بالتوراة ، ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ضرب الله لهم مثلا فقال :

{ مثل الذين حملوا التوراة } أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها ، وقال الجرجاني : حملوا من الحملة بمعنى الكفالة ، لا من الحمل على الظهر ، والحميل هو الكفيل أي ضمنوا أحكام التوراة { ثم لم يحملوها } أي لم يعملوا بموجبها ، ولا أطاعوا ما أمروا به فيها ، ولم يؤدوا حقها { كمثل الحمار } الذي هو أبلد الحيوان فخص بالذكر ، لأنه في غابة الغباوة .

{ يحمل أسفارا } حال أو صفة للحمار ، إذ ليس المراد به حمارا معينا ، فهو حكم النكرة ، إذ المراد به الجنس ، وقرأ المأمون بن هرون الرشيد يحمل مشددا مبنيا للمفعول ، والأسفار جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ قال ابن عباس : أسفارا كتبا أي كبارا من كتب العلم ، قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسفر على ظهره أو زبل ، فهكذا اليهود ، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ، وهذا المثل يلحق من لم يفهم معاني القرآن ولم يعمل بما فيه وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه ، ولهذا قال ميمون بن مهران : يا أهل القرون اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم ، ثم تلا هذه الآية ثم ذم هذا المثل ، والمراد منه ذمهم فقال :

{ بئس } مثلا { مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر به مضمر ، ومثل القوم هو المخصوص بالذم ، أو مثل القوم فاعل بئس ، والمخصوص بالذم الموصول بعده على حذف المضاف ، أي مثل الذين كذبوا ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم ، فيكون في محل جر ، والمخصوص بالذم محذوف ، والتقدير بئس مثل القوم المكذبين ، مثل هؤلاء والمراد بالآيات محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أتى به من آيات القرآن وقيل : المراد آيات التوراة لأنهم كذبوا بها حين تركوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { والله لا يهدي القوم الظالمين } يعني الكافرين على العموم ، فيدخل فيهم اليهود دخولا أوليا والمراد بهم الذين سبق في علمه أنهم لا يؤمنون ، وإلا فقد هدى كثيرا من الكفار .