فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التغابن

هي ثمانية عشرة آية بالاتفاق ، وهي مدنية في قول الأكثر

وقال الضحاك ، هي مكية ، وقال الكلبي : هي مدنية ومكية ، وقال ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وعن ابن الزبير مثله ، وعن ابن عباس أيضا قال : نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلن بالمدنية في عوف بن مالك الأشجعي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده ، فأنزل الله : { يا أيها الذين آمنوا عن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } إلى آخر السورة ، وعن عطاء ابن يسار نحوه .

أخرج البخاري في تاريخه .

" عن عبد الله بن عمرو قال : ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من أول سورة التغابن " ( {[1]} ) ، أخرجه ابن حبان في الضعفاء والطبراني وابن مردويه وابن عساكر مرفوعا عنه ، قال ابن كثير : وهو غريب جدا بل منكر .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ( 1 )

{ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض } أي ينزهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سمواته وأرضه ، عن كل نقص وعيب ، وكررت { ما } هنا ، وفي قوله : { وما تعلنون } تأكيدا وتعميما ، وللاختلاف لان تسبيح ما في السماوات مخالف لتسبيح ما في الأرض كثرة وقلة ، وأسرارنا مخالفة لعلانيتنا ، ولم تكرر في قوله : { يعلم ما في السماوات والأرض } لعدم اختلاف علمه تعالى ، إذ علمه بما تحت الأرض كعلمه بما فوقها وعلمه بما كان كعلمه بما يكون .

{ له الملك وله الحمد } أي يختصان به ليس لغيره منهما شيء ، وما كان لعباده منهما فهو من فيضه ، وراجع إليه وتقديم الظرف يفيد الاختصاص به تعالى من حيث الحقيقة لأنه مبدىء كل شيء ومبدعه فكان الملك له حقيقة دون غيره ، ولأنه أصول النعم وفروعها منه تعالى ، فالحمد له بالحقيقة ، وحمد غيره إنما يقع من حيث ظاهر الحال ، وجريان النعم على يديه ، والملك هو الاستيلاء ، والتمكن من التصرف في كل شيء على حسب ما أراد في الأزل ، قال الرازي : الملك تمام القدرة واستحكامها ، يقال : ملك بين الملك بالضم ومالك بين الملك بالكسر { وهو على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.