فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

{ تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين 101 وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين 102 } .

{ تلك } مبتدأ مشار بها إلى ما بعدها و { القرى } خبرها أي التي أهلكناها وهي قرى قوم نوح وهود وثمود وصالح ولوط وشعيب المقدم ذكرها { نقص } حال أي قاصين وهذا كقوله تعالى { هذا بعلي شيخا } في كونه مبتدأ خبرا وحالا قاله الزمخشري { عليك من أنبائها } أي أخبارها وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتحذير للكافرين من قريش وغيرهم .

ومن للتبعيض لأنه إنما قص عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما فيه عظة وانزجار دون غيرهما ولها أنباء غيرها لم يقصها عليه ، وإنما قص عليه أنباء أهل هذه القرى لأنهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النعم ، فتوهموا أنهم على الحق فذكرها الله لقوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليحترزوا عن مثل تلك الأعمال .

{ ولقد } لام قسم { جاءهم رسلهم بالبينات } أي المعجزات الباهرات كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا { فما كانوا ليؤمنوا } عند مجيء الرسل اللام زائدة لتوكيد النفي { بما كذبوا } به { من قبل } أي قبل مجيئهم أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل في حال من الأحوال ولا في وقت من الأوقات بما كانوا به قبل مجيئهم بل هم مستمرون على الكفر متشبثون بأذيال الطغيان دائما ولم ينجح فيهم مجيء الرسل ولا ظهر له أثر بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله .

وقيل المعنى فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله : { ولو ردوا لعادوا } قاله مجاهد وقيل سألوا المعجزات فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها ، والأول أولى .

ومعنى تكذيبهم قبل مجيء الرسل أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل وإنزال الكتب .

وقال أبي بن كعب : كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق حين أخرجهم من ظهر آدم من يكذب به ممن يصدق به ، وهو معنى قول ابن عباس والسدي آمنوا كرها يوم أخذ الميثاق ، وقال الطبري : وأولى الأقوال قول أبي كعب والربيع ابن أنس وذلك أن من سبق في علم الله أنه لا يؤمن به فلا يؤمن أبدا .

{ كذلك } أي مثل ذلك الطبع الشديد على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإيمان { يطبع الله على قلوب الكافرين } الجائين بعدهم فلا ينجح فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب .