فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

{ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا } وهي علوم الكتب القديمة والتصرف بالاسم الأعظم فكان يدعو به حيث شاء فيجاب بعين ما طلب في الحال ، وإيراد هذه القصة منه سبحانه وتذكير أهل الكتاب بها لأنها كانت مذكورة عندهم في التوراة .

وقد اختلف في هذا الذي أوتي الآيات فقيل هو بلعم بن باعوراء ، قاله ابن عباس ، وفي لفظ بلعام بن باعر الذي أوتي الإسم الأعظم ، كان في بني إسرائيل وبه مجاهد ، وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة .

وقيل كان قد أوتي النبوة ، وكان مجاب الدعوة بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان فاعطوه الأعطية الواسعة فاتبع دينهم وترك ما بعث به فلما أقبل موسى في بني إسرائيل لقتال الجبارين ، سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى فقال ليدعو عليه فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه فقيل هل في ذلك فقال لا أقدر على أكثر مما تسمعون ، واندلع لسانه على صدره فقال : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة وسأمكر لكم وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنا فإن وقعوا فيه هلكوا فوقع بنو إسرائيل في الزنا فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا .

وقيل إن هذا الرجل اسمه باعم وهو من بني إسرائيل ، وقيل من الكنعانيين من بلد الجبارين وقال مقاتل : هو من مدينة البلقاء وقال ابن مسعود : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن آبن ، والقصة ذكرها جماعة من المفسرين وفيها أن موسى دعا على بلعام بأن ينزع عنه الإسم الأعظم والإيمان .

ولا يصح ذلك من غير نظر فيه ولا بحث .

وقيل المراد به أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا في ذلك فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به ، قال عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ، وقيل : هو أبو عامر بن صيفي ، وكان يلبس المسوح في الجاهلية فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

وكانت الأنصار تقول هو ابن الراهب الذي بنى له مسجدا الشقاق ، وقيل : نزلت في البسوس رجل من بني إسرائيل قال ابن عباس وقيل : نزلت في منافقي أهل الكتاب قاله الحسن وابن كيسان وقيل نزلت في قريش آتاهم الله آياته التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بها ، وقيل : نزلت في اليهود والنصارى انتظروا خروج محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكفروا به .

وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى ولم يقبله ، قيل والمراد بالآيات اسم الله الأكبر قاله ابن عباس ، وقال ابن زيد : كان لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه قال السدي : كان يعلم اسم الله الأعظم ، وقيل إنه أوتي كتابا وقيل إن الله آتاه حجة وأدلة{[795]} .

{ فانسلخ منها } كما تنسلخ الحية والشاة عن جلدها فلم يبق له بها اتصال ، قال ابن عباس : نزع منه العلم والانسلاخ التعري من الشيء ، وليس في الآية قلب إذ لا ضرورة تدعو إليه وإن زعمه بعضهم وأن أصله فانسلخت منه .

{ فأتبعه الشيطان } عند انسلاخه عن الآيات أي لحقه فأدركه وصار قرينا له أو فأتبعه خطواته وصيره تابعا لنفسه وقيل أتبعه بمعنى استتبعه { فكان من الغاوين } أي المتمكنين في الغواية وهم الكفار .


[795]:- راجع فقه اسم الله الأعظم في زاد المسير 3/288.