فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِي نَفۡسِكَ تَضَرُّعٗا وَخِيفَةٗ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (205)

{ واذكر ربك في نفسك } الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدخل فيه غيره من أمته لأنه عام لسائر المكلفين قيل المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التي يذكر الله بها وقال النحاس : لم يختلف في معنى هذا الذكر أنه الدعاء وقيل هو خاص بالقرآن أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبر أمره . أن يذكره في نفسه سرا فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكير وأدعى للقبول .

{ تضرعا وخيفة } أي متضرعا وخائفا أو متضرعين وخافين أو ذوي تضرع وخيفة والخيفة الخوف قاله الجوهري وحكى الفراء أنه يقال في جمع خيفة خيف { ودون الجهر } أي دون المجهور به يعني متضرعا وخائفا ومتكلما بكلام هو دون الجهر { من القول } وفوق السر يعني قصدا بينهما { بالغدو والآصال } أي أوقات العدوات وأوقات الأصائل ، والغدو جمع غدوة بضم الغين وسكون الدال وهي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والآصال جمع أصيل قاله الزجاج والأخفش مثل يمين وأيمان .

وقيل الأصال جمع أصل والأصل جمع أصيل ، فهو على هذا جمع الجمع قاله الفراء وليس للقلة وليس جمعا لأصيل لأن فعيلا لا يجمع على أفعال ، وقيل إنه جمع لأصل مفردا كعنق ، قال الجوهري : الأصيل الوقت من بعد العصر على المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة ويجمع أيضا على أصلان مثل بعير وبعران .

وقرأ أبو مجلز واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري وهي شاذة والإيصال وهو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل وهو مطابق للغدو في الإفراد والمصدرية ، قال قتادة : الغدو صلاة الصبح والآصال الصلاة بالعشي وعن أبي صخر قال الآصال ما بين الظهر والعصر ، وقال ابن زيد : بالبكر والعشي وقال مجاهد : الغدو آخر الفجر صلاة الصبح والآصال آخر العشي صلاة العصر .

وخص هذين الوقتين لشرفهما ولأن الإنسان يقوم بالغداة من النوم الذي هو أخو الموت فاستحب له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم بالذكر ليكون أول أعماله ذكر الله عز وجل ، وأما وقت الآصال وهو آخر النهار فإن الإنسان يريد أن يستقبل النوم الذي هو أخو الموت فيستحب له أن يشغله بالذكر لأنها حالة تشبه الموت ولعله لا يقوم من تلك النومة فيكون موته على ذكر الله عز وجل .

وقيل إن أعمال العباد تصعد أول النهار وآخره فيصعد عمل الليل عند صلاة الفجر ، ويصعد عمل النهار بعد العصر إلى الغروب ، فاستحب له الذكر في هذين الوقتين ليكون ابتداء عمله بالذكر واختتامه به ، وقيل غير ذلك والمراد دوام الذكر لله .

{ ولا تكن من الغافلين } عن ذكر الله وعما يقربك إلى الله .