صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية لم يستثنوا منها شيئا . وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء وعبد الله بن الزبير وزيد ابن ثابت ، وعن ابن عباس أنه قال : نزلت في بدر ، وفي لفظ تلك سورة بدر . قال القرطبي وعنه : هي مدنية إلا سبع آيات من قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } إلى آخرها ، يعني فإنها مكية .
" قلت " وإن كانت في شأن الواقعة التي وقعت بمكة فلا يلزم أن تكون كذلك فالآيات نزلت بالمدينة تذكيرا بما وقع في مكة . فهذا القول ضعيف والأول هو الأصح . وجملة آياتها خمس أوست أو سبع وسبعون آية ، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب .
{ يسألونك } يا محمد { عن الأنفال } جمع نفل محركا وهو الغنيمة أي الغنائم لمن هي ، وبه قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر ، وأصل النفل الزيادة وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم ، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهدين من أجر الجهاد .
ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين والابتغاء ونبت معروف ، والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب والنافلة ولد الولد لأنه زيادة على الولد .
وهو سؤال استفتاء لأن هذا أول تشريع الغنيمة ، وفاعل السؤال من حضر بدرا ، وقال الضحاك وعكرمة : هو سؤال طلب ، وعن بمعنى من ، وهذا لا ضرورة تدعو إليه ، وقيل صلة ويؤيده قراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم بدون عن ، والصحيح أنها على إرادة حرف الجر .
وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة في غنائم يوم بدر ، فقال الشبان : هي لنا لأنا باشرنا القتال ، وقال الشيوخ : كنا ردءا لكم تحت الرايات ، ولو انكشفتم أي انهزمتم لفئتم أي لرجعتم إلينا ، فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال : { قل } لهم { الأنفال لله والرسول } أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر الله سبحانه حيث شاء ، وليس لكم حكم في ذلك ، فقسمها صلى الله عليه وآله وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك .
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } فهي على هذا منسوخة ، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي ، وقال ابن زيد : محكمة مجملة ، وقد بين الله مصارفها في آية الخمس ، وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس .
{ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي نفس ما بينكم ، والذي بينهم هو الوصلة الإسلامية ، فالبين هنا بمعنى الاتصال كما في قوله : { لقد تقطع بينكم } والبين يطلق على الضدين الاتصال والفراق ، وذات هذا البين هي حاله أي الأمور التي تحققه بالمودة وترك النزاع { وأطيعوا الله ورسوله } أمرهم بالتقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما وترك الاختلاف الذي وقع بينهم ، وقال : امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة { إن كنتم مؤمنين } بالله جوابه كما ذهب إليه أبو العباس المبرد وغيره أطيعوا الله السابق ، إذ يجوز عندهم تقديم الجواب على الشرط ، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه وهو أنه محذوف لدلالة ما قبله عليه .
وفيه من التهييج والإلهاب والتنشيط للمخاطبين والحث لهم على المسارعة إلى الامتثال ما لا يخفى مع كونهم في تلك الحال على الإيمان فكأنه قال إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله لأن هذه الأمور الثلاثة لا يكمل الإيمان بدونها ، بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها ، فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لهما ليس بمؤمن ، قال عطاء : طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة . أخرجه ابن أبي حاتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.