فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

{ خذ العفو } لما عدد الله سبحانه من أحوال المشركين ما عدده وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو من أخلاقهم ، يقال أخذت حقي عفوا أي سهلا . وهذا نوع من التيسير الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) {[810]} ، والمراد بالعفو هنا ضد الجهد وقيل الفضل وما جاء بلا كلفة والعفو التساهل في كل شيء وقيل المراد خذ العفو من صدقاتهم ولا تشدد عليهم فيها وتأخذ ما يشق عليهم وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة ، عن عبد الله بن الزبير قال : ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس ، رواه البخاري قال مجاهد : خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسيس .

{ وأمر بالعرف } أي بالمعروف وقرئ بالعرف بضمتين وهما لغتان والعرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيهما العقول وتطمئن إليها النفوس وكل ما يعرفه الشارع ، وقال عطاء : وأمربقول لا إله إلا الله والعموم أولى .

{ وأعرض عن الجاهلين } أي إذا أقمت الحجة عليهم في أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا فأعرض عنهم ولا تمارهم ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة ، وقيل وهذه الآية هي من جملة ما نسخ بآية السيف قاله عطاء وابن زيد .

وقيل هي محكمة قال مجاهد وقتادة وقيل أول هذه الآية وآخرها منسوخ وأوسطها محكم ، قال الشعبي : لما أنزل الله هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا جبريل قال : لا أدري حتى أسأل العالم فذهب ثم رجع فقال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما{[811]} ، وعن قيس بن سعد بن عبادة قال : لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة بن عبد المطلب قال : والله لأمثلن بسبعين منهم فجاءه جبريل بهذه الآية أخرجه ابن مردويه .


[810]:- صحيح الجامع الصغير 7942.
[811]:- ابن كثير 2/ 277.