فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

{ يا بني آدم } هذا تذكير ببعض النعم لأجل امتثال ما هو المقصود الآتي بقوله لا يفتننكم الخ { قد أنزلنا عليكم لباسا } عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق أي خلقنا لكم لباسا ، وقيل رزقناكم لباسا ، وقيل أنزل المطر من السماء وهو سبب نبات اللباس فكأنه أنزله عليهم ، وقيل جميع بركات الأرض تنسب إلى السماء وإلى الإنزال كما قال تعالى وأنزلنا الحديد .

{ يواري سؤآتكم } التي أظهرها إبليس حتى اضطررتم إلى لزق الأوراق فأنتم مستغنون عن ذلك اللباس وقال مجاهد : كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة والسوأة العورة كما سلف والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع .

{ وريشا } وقرئ رياشا جمع ريش وهو اللباس قال الفراء : ريش ورياش كما يقال لبس ولباس ، وريش الطائر ما ستره الله به وهو لباسه وزينته كالثياب للإنسان ، وقيل المراد بالريش هنا الخصب ورفاهية العيش ، قال القرطبي : والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة .

وعن أبي عبيدة له دابة وريشها أي ما عليها من اللباس . وقيل المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله لباسا وعطفه عليه ، قاله الزخشري ، وقال ابن عباس : المال واللباس والعيش والنعيم والإيمان ، وقال ابن زيد : الريش الجمال ، وقيل الأثاث وما ظهر مما يلبس أو يفرش .

{ ولباس التقوى } أي الناشئ عنها أو الناشئة عنه والإضافة قريبة من كونها بيانية أي لباس الورع واتقاء معاصي الله وهو الورع نفسه والخشية من الله تعالى ، وقيل لباس التقوى الحياء وقيل الإسلام وقيل العمل الصالح ، وقيل هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله ، وقيل هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله ، وقيل هو ستر العورة في الصلاة ، وقال عثمان : هو السمت الحسن ، وقال الكلبي : هو العفاف والأول أولى .

وهو يصدق على كل ما فيه تقوى الله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب .

{ ذلك } أي لباس التقوى هو { خير } أي خير لباس وأجمل زينة لأنه يستر من فضائح الآخرة ، وقيل الإيمان والعمل خير من اللباس والريش قاله ابن عباس وأنشدوا في المعنى :

إذا أنت لم تلبس ثيابا من التقى عريت وإن وارى القميص قميص